نشرت مدونة "الملاحظون" على موقع القناة الفرنسية الدولية "فرنسا 24" نصا (هنا) بالأمس حول مدى انتشار العقلية الاستنساخية في عدد من الوسائط لدى كتاب و فنانين و مصممين عرب. المقال في الأساس مأخوذ عن عمل توثيقي مثير للانتباه يقوم به مدون كويتي يلقب بـ"بدر الكويت" على مدونة "لصوص الكلمة" (هنا). "السرقات الفكرية" لا تتوقف على سرقة تصاميم لـ"بوستيرات" أو ألبسة تنتجها شركات انتاج فنية مثل روتانا لـ"فنانين" و "فنانات" عرب (هنا) أو سرقة صور فوتوغرافية و إعادة توضيبها في شكل "لوحات تشكيلية" من دون الاشارة الى مصدر الصورة أو أخذ الاذن من صاحبها (هنا) أو رسوم الكاريكاتور (هنا). الأمر يتجاوز ذلك إلى مقالات صحفية خاصة بكتاب رأي في عدد من الصحف العربية. بالرغم من تركيز صاحب المدونة على الصحافة الكويتية إلا أنه يضع أمثلة عديدة تشير بوضوح إلى أن الظاهرة منتشرة إلى درجة يبدو معها الاستنساخ منهجا للكتابة و من ثمة للتفكير بالنسبة لعدد كبير نسبيا من الكتاب العرب كما أنها مست كتاب معروفين و البعض منهم للأسف تونسيين (مثل توفيق المديني هنا و هشام القروي هنا). قد كنت تعرضت شخصيا لحالة من هذا النوع سابقا من قبل مراسل صحيفة "الأخبار" اللبنانية في واشنطن (هنا) و هذه مناسبة لشكر رئيس تحرير هذه الصحيفة المتميزة أساسا على تفاعله الايجابي بمجرد إخطاري له بالموضوع. لكن اكتشافي لعملية السرقة تلك كان مجرد صدفة و حفزني نص البارحة لاستعمال محركات بحث خاصة محرك "غوغل" و محرك "كوبيسكايب" الذي أشار له المدون "بدر" للتأكد من مدى تعرض مقالاتي لسرقات أخرى. و فعلا (مع الأسف الشديد) و بعد بحث سريع اكتشفت على الأقل حالتين و في جريدة عربية عريقة بمستوى جريدة "النهار اللبنانية". إذ قامت الجريدة بنشر مقالين لي (عرض نقدي لكتاب "الحرب في الداخل" و مقالي "السياسة الخارجية في عهد أوباما" الذي سبق لمراسل "الأخبار" سرقة عدد من فقراته) في صفحة "مدار النهار" (هنا بتاريخ 20 ماي 2008 و هنا بتاريخ 31 أكتوبر 2008) بدون الاشارة إلي اسمي بوصفي كاتبا مقابل الاشارة إلى أن هذه الصفحة من "إعداد" صحفيين تابعين للجريدة.
يجب التنصيص على أن ظاهرة سرقات النصوص ظاهرة عالمية و لا تقتصر على السياق العربي. غير أن انتشارها و استسهالها عربيا حتى من قبل كتاب معروفين مقابل ضعف الابداع المعرفي يشير إلى وضع يمكن وسمه بـ"الوضع الاستنساخي" في كثير من الأوساط. ثم أن الموضوع يستحق نظرة أكثر دقة و تعمق و بحث لإصحاء و حصر أمثلة من هذا النوع. ربما مرصد بجهود جماعية تستطيع الالمام بالظاهرة بشكل أكثر شمولا من مدونة "بدر".
مثلما اشار "ابن الوراق" في مقدمته لكتاب "أصول القرآن" يرجع اهتمامه بالموضوع لسلسلة من البحوث بدءا من سبعينات القرن الماضي و التي حاولت إحياء الاهتمام به بالتحديد من زاوية "الاستشراق الكولونيالي" أي "الأصول اليهودية و المسيحية" للقرآن و الاسلام برغم اختلافها الكبير معه. فالوجهة التي ستأخذها البحوث الجديدة منذ السبعينات ستتجه منحى راديكاليا حتى مقارنة بأطروحات "الاستشراق الكولونيالي". ففي الوقت الذي أسس فيه نولدكه (Nöldeke) لفهم للقرآن يضعه من حيث تأريخه في سياق زمن حياة الرسول، و هو ما يتوافق مع الفهم الكلاسيكي الاسلامي لتاريخ القرآن، ستتجه البحوث الجديدة نحو فرضيات مختلفة تماما تسبق أو تلحق وفاة الرسول. البداية كانت مع باحث ألماني سيبقى لفترة طويلة منسيا و على هامش الوسط الاكاديمي. غونتر لولينغ (Günter Lüling) الذي سيدشن سلسلة من البحوث التي ستركز على أطروحة تاريخية بديلة تختلف راديكاليا عن سرديات المصادر الاسلامية بما في ذلك حول "أصول القرآن" في مؤلف صدر سنة 1974. يرى لولينغ أن نص القرآن كما نعرفه يحتوي على اربعة "طبقات" أولها "القرآن الأول" و الذي تم تحريره حسب رأيه من قبل فرقة مسيحية تعيش في مكة. اللغة الصعبة للولينغ و التعقيد البالغ لحججه لكن الأهم منذ ذلك اعتماده الحصري على تحليل لغوي فيلولوجي يرفض فيه بشكل مطلق رواية المصادر الاسلامية كلها عوامل ساهمت في تهميش الأفكار الواردة في كتاب لولينغ خاصة إثر اتهامه للوسط الأكاديمي الألماني بالتآمر عليه.
في نفس اطار الطروحات الراديكالية البديلة يتنزل كتاب "الدراسات القرآنية: مصادر و مناهج تأويل النص المقدس" سنة 1977 للمؤرخ الأميركي جون وانسبرا (John Wansbrough) الذي سيكون أكثر تأثيرا من لولينغ بفعل موقعه كأستاذ في "مدرسة لندن للدراسات الشرقية" أين سيشرف على تخريج عدد من الأساتذة معروفين في الاختصاص. وانسبرا سيرفض أطروحة لولينغ عن "اصل مسيحي" سابق عن حياة الرسول في مكة و يتجه إلى اعتبار زمن النص متأخرا يرجعه إلى القرن الثامن أو حتى التاسع ميلاديين (الثاني أو الثالث للهجرة) و المكان ليس مكة أصلا بل العراق. و على هذا الأساس يعيد واسنبرا تركيب تاريخ الاسلام المبكر ليتفق مرة أخرى مع خلاصات "الاستشراق الكولنيالي" و لو بصفة أكثر راديكالية بأن الاسلام ليس إلا مجموعة من العرب الذين انشقو عن المسيحية أو اليهودية و لم يتكون لديهم شعور بهوية خاصة و منفصلة مثلما نعرفها اليوم إلا بشكل متأخر. حجر الزاوية في سلسلة الافتراضات (التي وصلت الى مستويات سوريالية مثلما اتفق حتى غالبية المستشرقين) هي مماثلته النص القرآني بطريقة تجميع نصوص الحديث في مدونات متأخرة في القرنين الثامن و التاسع. و ضمن هذا السياق المنهجي سيقوم طالبي وانسبرا الذين سيذيع صيتهما فيما بعد باتريشيا كرونه و مايكل كوك في كتابهما الأول الشهير و الذي سبقى مؤشرا على اتجاه بحوثهما في البداية (Hagarism: The Making of the Islamic World) الصادر أيضا سنة 1977 بالأساس بمحاولة دعم فرضيات وانسبرا بالاعتماد على مصادر معاصرة لنشأة الاسلام (اي القرن السابع) بغير العربية و خاصة المصادر المسيحية بالسريانية و الأرمينية. حيث يتم التأكيد على أن المسلمين الأوائل لم يكونوا سوى فرقة يهودية منشقة ليس في مكة و لكن في شمال الجزيرة العربية أو في سوريا و لم يتكون إحساسهم بالخصوصية إلا في وقت متأخر في القرن الثامن.
جلب هذا المنهج القائم على وضع الفرضيات و من ثمة البحث عن "الوقائع" الكثير من النقد من قبل معظم المستشرقين. إذ قام وانسبرا (و كرونه و كوك) بجرة قلم بحذف كل محتويات المصادر الاسلامية المكتوبة حول تاريخ القرآن بذريعة أنها متأخرة بحوالي القرن عن نشأة الاسلام (بداية القرن الثامن ميلادي) ليشكل قطيعة مع كل مدونة الدراسات التاريخية الحديثة حول الاسلام بما في ذلك الاستشراقية. و في المقابل تم إضفاء المصداقية المطلقة على معطيات المصادر المسيحية لمجرد أنها معاصرة. و هو ما أضفى إلى خلاصات متسرعة حتى في تفاصيل بسيطة. فتاريخ سنة 634 الذي تشير إليه إحداها (في وقت متأخر من القرن السابع) و الذي يذكر غزوة نحو الأراضي البيزنطية بقيادة النبي الجديد تصبح كافية لاعتماد تاريخ جديد لوفاة الرسول. كما أن تصوير هذه المصادر للمسلمين على أنهم مجرد فرقة "متهرطقة" عن المسيحية أو اليهودية يتم أخذها بشكل جدي على أنها تصف واقعا حقيقيا و ليس تمثلا مسيحيا يرغب في تقديم صورته السجالية الخاصة لمجموعة بشرية تنافس بشكل مطرد الامبراطورية البيزنطية الراعية للمسيحية في الشرق في القرن السابع. و هكذا نحن بصدد مقاربة للمصادر غير متوازنة تذكرنا بالمقاربات القروسطية: إذ مقابل التكذيب المطلق للمصادر الاسلامية و إعدام أي مساهمة ممكنة لها في التأريخ للاسلام المبكر يتم القبول الكلي للمصادر المسيحية ليس فقط لتفاصيلها التاريخية بل لطريقة تمثلها للمسلمين الأوائل بدون أي اعتبار للطبيعة الايدوبولجية المتوقعة في هذه التمثلات. و عموما ليس من المستغرب أن تحاول كرونه في وقت لاحق خاصة في السنوات الأخيرة تجنب تكرار أطروحاتها الأولى. خاصة أن المكتشفات الأثرية المتراكمة منذ تصاعدها فس السبعينات حول الفترة الأموية (قصور و ترميم مدن و جوامع و غيرها من المعالم الدينية و نقود...) تشير بالرغم من غياب المصادر المكتوبة المعاصرة إلى صورة عامة من التمثل الذاتي الاسلامي المتميز بل و المنافس بشكل واعي للطرف المسيحي المحلي أو البيزنطي. البرديات المعثور عليها في مصر و المؤشرة على النظام الضريبي في ولاية مصر الاسلامية منذ الفترة الأموية، و مثلما حاجج فريد دونير، تشير إلى وجود دولة مبكرة منذ القرن السابع و ليس مجرد فرقة من الهائمين "المهرطقين".
و عموما ستصل هذه البحوث إلى مأزق في العمق الأكاديمي مع وقوعها في "السجالية" (polemicist) و حتى "الهواية" (amateurism)، حسب تعبيرات كرونة ذاتها في مقال أخير، و ذلك بحلول بداية القرن الجديد مع نشر كتاب "القراءة السريانية الآرامية للقرآن: مساهمة في تفكيك لغة القرآن" (سنة 2000) لكاتب ألماني يحمل اسما مستعارا، كريستوف لوكزنبرغ (Christoph Luxenberg) و الذي يشير إلى نص "اصلي" للقرآن بالسريانية. و لعل من أهم الردود الأكاديمة على هذا المؤلف، الذي جلب الكثير من الاهتمام الاعلامي، الندوة التي تم تنظيمها في "جامعة نوتردام" الأميركية سنة 2005 و التي حاول فيه الكثير من المختصين نقد مسار "الدراسات القرآنية" التي تنطلق من أطروحة "الأصول المسيحية اليهودية" للقرآن كأطروحة مركزية (تم نشر أعمال الندوة سنة 2008). و على سبيل المثال نقرأ في الملاحظات التمهيدية لورقات الندوة نقدا لأطروحة لوكزنبرغ لمنهجها "الهيرمونيطقي الساذج" الذي يتعامل مع النص وحده بوصفه حامل سر "القرآن" بمعزل عن ظرفيته التاريخية و تفاعل النص مع "القارئ". التركيز الاعلامي على فرضية لوكزنبرغ الفيلولوجية في تفسيره لكلمة "الحور" ضمن سياق سرياني يعني "العنب" تم النظر إليه على أنه عودة للسجالات التسطيحية "المعادية للاسلام" في القرون الوسطي. و تساهم في ترويج الاعتقاد بعلاقة مفاهيم مثل "الحور" بظاهرة "الاستشهاديين" بشكل ينزع هذه الظاهرة عن سياقها السياسي و الثقافي المعاصر. كما تم نقد السياق الحقيقي لهذه المقاربات اي الواقع الراهن حيث لا يمكن التأثير في "قراءة القرآن" بالفيلولوجيا و الهرمونوطيقا بل بفهم للعلاقات الواقعية المعقدة بين النص و الواقع. فـ"الاسلاموفوبيا الأكاديمية" ليست المقاربة الأكاديمية تحديدا بل سياقها السياسي و تداعياتها الواقعية حتى إن إدعت انفصالها عنها. و ليس نموذج "ابن الوراق" الانتقائي و التجميعي إلا نموذجها الاكثر سذاجة. و هو ما يحيلنا مرة أخرى على بقية النماذج الأكثر سطحية من "إسلاموفوبيي الخدمة" الذين تفضح أطر تشبيكهم السياسية، في إطار "قمة الاسلام العلماني"، المعنى الحقيقي من شعار "نقد الاسلام" في أطروحاتهم.
الكتاب الأول الذي نشره "ابن الوراق" و الذي جمع فيه دراسات اكاديمية عن التاريخ الاسلامي كان بعنوان "أصول القرآن" (1998).جميع المقالات باستثناء مقالين كتبها الجيل الأقدم من المستشرقين الذين اهتموا بموضوع "الدراسات القرآنية" و هو ما يفسر العنوان الفرعي للكتاب "مقالات كلاسيكية للكتاب المقدس للاسلام". من بينها مقال المستشرق الألماني ثيودور نولدكه (Theodor Nöldeke) و الذي لخص فيه سنة 1891 دراسته الكلاسيكية المنشورة سنة 1860 "تاريخ القرآن" و التي أسست لجميع الرؤى الاستشراقية الأولية حول موضوع "الدراسات القرآنية" و تحصل مقابلها على جائزة "أكاديمية النقائش و الآداب" الفرنسية. نجد كذلك دراسة لأبراهام غايغر (Abraham Geiger) الذي كان من مؤسسي تيار "اليهودية الاصلاحية" في ألمانيا و كتب دراسة سنة 1832 حول "الأصول اليهودية للاسلام". كما نجد أيضا دراسة الأمير الإيطالي ليوني كايتاني (Leone Caetani) و الذي نشر دراساته حول التاريخ الاسلامي في بداية القرن العشرين. و نفس الأمر بالنسبة للأب اليسوعي هنري لامانس (Henri Lammens) الذي نشر في نفس الفترة. و البريطاني الأب سانت كلير تيسدال (W. St. Clair Tisdal) رئيس البعثة التبشيرية لـ"كنيسة انقلترا" في إيران نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. الأفكار الأساسية التي دافع عنها هذا الجيل من المستشرقين في علاقة بالقرآن هي "الأصول المسيحية و اليهودية للقرآن" و تفنيد أي تميز فيه عما سبقه.
قدم هذا الجيل المؤسس من المستشرقين إضافات أكاديمية على مستوى المنهج خاصة في نقد المصادر الاسلامية بما في فيها الاخبارية و مدونات الحديث و مساءلة روايتها (كما فعل أحيانا كايتاني على سبيل المثال) و حتى ملامسته للاسلاموفوبيا من أسس أكاديمية (مثلما هو حال لامانس مثلا كما سأذكر أسفله) لا يمكن مقارنتها بسطحية و هشاشة "الاسلاموفوبيا الأكاديمية" الخاصة بـ "إسلاموفوبيي الخدمة" و هي بالأساس استنساخية مثلما هو حال "أعمال" ابن الوراق. لكن استحضار هذه الدراسات و إعادة تجميعها من قبل الأخير ليست مجرد مصادفة. فمن الضروري التوقف هنا عند نقطة أساسية و هي أن الرؤى العامة لهذا الجيل من المستشرقين لم تحقق قطيعة على مستوى نقاط التركيز و المضمون عن الرؤى التي سيطرت خلال الفترة القروسطية على الكتابات المسيحية عن الاسلام. فبالرغم من التعمق المنهجي و المعرفي لهؤلاء المستشرقين الرواد و غالبيتهم من الذين قاموا بمقاربات لغوية بوصفهم متضلعين في "اللغات السامية" (عربية و عبرية و أرامية-سريانية) فإن الاشكاليات المدروسة و بالتحديد موضوع "أصول القرآن" (في إشارة خاصة إلى "أصوله المسيحية و اليهودية") و كذلك المضمون الذي يتميز بشكل دائم بـ"التشاؤمية" و "التشكيك المنتظم" (مثلما يشير "إبن الوراق" في مقدمته) في الرواية التاريخية الاسلامية و إدعاء تقديم بديل راديكالي عنها هي ذاتها مميزات الكتابات المسيحية القروسطية عن الاسلام. و تسنى للباحثين الآن الاطلاع بشكل أكثر دقة على هذه الكتابات القروسطية من خلال دراسات جديدة مثل كتاب توماس بورمان (Thomas Burman) حول "قراءة القرآن في المسيحية اللاتينية 1140-1560" مما يمكننا من مقارنتها مع الدراسات الاستشراقية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر و التي تم النظر إليها تقليديا بأنها تمثل قطيعة مع ما سبقها. إذ يفصل بورمان في كتابه و الذياعتمد على دراسة ممنهجة لقائمة طويلة من المخطوطات غير المنشورة كتبت في القرون الوسطى في الأديرة الأوروبية هيمنت الاهتمام فيها بموضوع "أصول القرآن" و بالتحديد من زاوية سجالية تنطلق منهجيا من مسلمة "ضلال القرآن" و تضع مسبقا نصب أعينها إثبات "الأصول المسيحية" أو "التوراتية" عموما للقرآن و من ثمة "تزييفه" للمسيحية.
الاستعداد المبدئي لإثبات خلو الاسلام (عبر القرآن) من أي تميز و أنه مجرد "نسخة مزيفة" من المسيحية أو اليهودية هي نفس مقاربة الجيل الأول من المستشرقين بما يمثل تواصلا مع الرؤية القروسطية الصادرة من أوساط دينية. و في هذا السياق لا يبدو من الصدفة أن عددا من أقطاب الجيل المؤسس من مستشرقي القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين هم رجال دين مسيحيون و يهود و بعضهم كان جزءا من التركيبة الاستعمارية أو شبه الاستعمارية الأوروبية في الربع الأول من القرن العشرين (مثلا لامانس في لبنان و تيسدال في إيران). كما أنه ليس من الصدفة أن أول اتهام مسجل تاريخيا بـ"الاسلاموفوبيا" كان موجها لأحد أقطاب هذا الجيل من المستشرقين و رجال الدين أي الأب لامانس إثر نشره كتابه حول سيرة الرسول في بداية عشرينات القرن الماضي. و هنا يجب استحضار مقاربة إدوارد سعيد لاستشراق القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين لفهم هذا الجيل من المستشرقين بالنظر إلى الخلفية الكولونيالية لاستشراقهم. فبالرغم من صحة الانتقادات التي وجهت إلي سعيد خاصة حول الارتباط الميكانيكي بين جنسية المستشرق و الانخراط الاستعماري بلده و حول خلو عمله من أي تركيز على دراسات المستشرقين الألمان (في إشارة إلى باحثين مثل نولدكه و غايغر) و اقتصاره على مستشرقين من أقطار مارست الاستعمار مثل بريطانيا و فرنسا فإن ذلك لا يعني أن رؤية سعيد العامة من دون أساس. الأصول الألمانية لبعض رموز الجيل المؤسس من المستشرقين لا يعني عدم تميزهم بنفس ميزات "الاستشراق الكولونيالي" لمعاصريهم الفرنسيين و البريطانيين. ليس لأن كان هناك تواصل معرفي واضح بين المستشرقين العاملين ضمن هذه الفضاءات الجغرافية (مثلما هو واضح في مثال نولدكه مثلا) بل لأن الجامع هنا بينهم ليس الخلفية الجيوسياسية بل الخلفية الثقافية "المسيحية اللاتينية" و التي تفسر تشابه اهتماماتهم في علاقة بدراسة الاسلام من خلال مسائل مثل "اصول القرآن". إذ من الممكن أن نرى أن الاشكال المنهجي الرئيسي بالنسبة لرؤية إدوارد سعيد لموضوع الاستشراق هو تركيزه على الخلفية الكولونيالية الحديثة و طابعها السياسي بمعزل عن أصولها الثقافية المؤسسة قروسطيا. و من هذا المنظور أيضا يجب النظر إلى محاولات الإحياء لأطروحات و مقاربات "الاستشراق الكولونيالي" التي استرجعت قواها بشكل خاصة مع سبعينات القرن الماضي، و للمفارقة في نفس المرحلة التي عرفت التأسيس للنقد المنهجي لـ"الاستشراق الكولونيالي".
إذ على هامش الرؤى الاستشراقية العامة السائدة في الفترة ما بعد الكولونيالية و بعد تعرض السرديات الخاصة بـ"الاستشراق الكولونيالي" لانتقادات قوية منذ بداية ستينات القرن الماضي من مستشرقين مثل مكسيم رودنسون و برنارد كوهن استرجع بعض المستشرقين الآخرين خاصة في السياقين الأنغلوسكسوني (خاصة البريطاني) و الألماني أطروحات و اهتمامات الجيل الأول من المستشرقين. فالمنشورات الاستنساخية لابن الوراق ليست سوى محاولة توظيفية لعمليات الاحياء هذه و هو ما ينعكس في احتواء كتاب "أصول القرآن" على مقالين لرمزين من هذه مدرسة "المراجعة" الجديدة و المتواصلة إلى اليوم أرثور جيفري (Arthur Jeffrey) و أندرو ريبين (Andrew Rippin). في المقابل سيرد "الاستشراق ما بعد الكولونيالي" (المؤسس على أنقاض "الاستشراق الكولونيالي") على ذلك من خلال التأكيد على الطابع "التشاؤمي" بشكل غير مبالغ فيه لهذه المقاربات الجديدة تجاه المصادر التاريخية الاسلامية و أيضا الخلفية "المعادية للاسلام" و "السجالية" لبعضها. كما ستركز على الفارق بين موضوع "الدراسات القرآنية" و اختزال الأخيرة في إشكالية "أصول القرآن". و هو ما سنفصل فيه في المقال القادم.
إمخر شوية بما اني لاهي شوية ليامات... بسرعة... المرة هذية تحدثت على ابن الوراق... النموذج الرئيسي الي يتحق النتباه لأنو يحب يقدم نفسو كـ"أكايديمي" لكن فمة مشكلة مع الوسط الاكاديمي و لهنا نبداو ندخلو في موضوع "نقد الاسلام" من زاوية اكاديمية... المرة الجاية تركيز على مضمون الكتابات متاعو خاصة موضوع الدراسات القرآنية
عندما يتعرض الخطاب الناقد للاسلاموفوبيا إلى التشويه يتم ذلك أساسا من خلال تصويره كخطاب "أصولي" متواري أو اعتذاري في أحسن الحالات. "أصولي" إذا كان مصدره قادم من إطار إسلامي و "اعتذاري" إذا كان قادما من مصدر غربي. لكن في جميع الحالات يتم تقديم ذلك الخطاب على أنه "معاد للحقيقة". في المقابل يقدم الخطاب الاسلاموفوبي نفسه ضمن إطار "كشف حقيقة الاسلام". و هناك في الواقع تاريخين لخطاب "الحقيقة" هذا. تاريخ "الاسلاموفوبيا الشعبوية" و تاريخ "الاسلاموفوبيا الاكاديمية" كل له شكل "الحقيقة" الخاص به. و في أوساط "إسلامفوبيي الخدمة" أو الاسلاموفبيين المنحدرين من مجتمعات ذات غالبية مسلمة لدينا النوعين. "الاسلاموفوبيا الشعبوية"، و هي التي تبقى سائدة من حيث الكم ( في مواقع إعلامية مختلفة معنونة في السياق العربي بـ"الليبرالية")، هي خطاب شعاراتي ذي بعد واحد يتوجه لاستنهاض العواطف الجياشة و من ثمة يجند من يرغبون في الاستماع اليه بالخصوص، مقابل استفزاز حدي لمن لا يرغبون في الاستماع اليه. الكاتبة الاميركية من اصل سوري وفاء سلطان و التي سنتعرض اليها لاحقا مع آخرين من المشاركين في "قمة الاسلام العلماني" تنتمي إلى هذا النوع. أما النوع الذي يستحق اهتماما خاصا فهو النوع العامل ضمن أشكال أكاديمية و الذي يبني طروحاته على تاريخ "الاستشراق الكولونيالي" و من ثمة يتوارى وراء "سرد نقدي" للاسلام كمنظومة شمولية (عقيدة و تاريخا). هذا النوع من "إسلاموفوبيي الخدمة" ترعرع تحديدا على تخوم نقاش راهن مثير للانتباه بين تيار سائد من المستشرقين لا يمكن المزايدة عليه من جهة استعماله لمناهج النقد الحديثة في التأريخ للاسلام و دراسة مصادره التاريخية بأجناسها المختلفة بما في ذلك الدينية مقابل تيار آخر استشراقي هامشي يحاول إحياء مدرسة "الاستشراق الكولونيالي" في التأريخ للاسلام خاصة منذ سبعينات القرن الماضي. "الاسلاموفوبيا الاكاديمية" في هذه الحالة في صراع مع تيار أكاديمي غربي سائد قبل أن تكون في صراع مع أي طرف آخر. و "إسلاموفوبيي الخدمة" من النوع الاكاديمي هم على هامش صفوف هذا التيار الاسلاموفوبي الاكاديمي الهامشي أصلا. الشخصية المركزية في هذا الفريق من "إسلاموفوبيي الخدمة" من النوع "الأكاديمي" يحمل اسما مستعارا و هو "إبن الوراق" و الذي وصف بأنه "الشخصية المحركة" في تنظيم "قمة الاسلام العلماني". سنقوم في هذا المقال بعرض السياق الأكاديمي الذي يرغب وضع نفسه فيه مقابل تقييم الأكاديميين لعمله. و سننتقل الى مضمون كتاباته لكن خاصة مضمون بعض "الدراسات القرآنية" التي يعيد انتاجها في المقال القادم.
لا توجد حول "ابن الوراق" معلومات دقيقة و مؤكدة بسبب اختياره السرية. لكن من المرجح حسب معطيات متفرقة أشار اليها في حوارات نشرت معه أنه ينحدر من عائلة مسلمة باكستانية، تلقى تعليمه الجامعي في بريطانيا قبل استقراره و فتحه مطعما في فرنسا، ثم أخيرا تردده على الولايات المتحدة بوصفه "باحثا" في "المركز من أجل التقصي" (Center for Inquiry). "إبن الوراق" بقي مجهولا لسنوات قبل الكشف عن وجهه منذ حوالي السنة في اطار "قمة الاسلام العلماني" في ولاية فلوريدا مع الاحتفاظ باسمه الحقيقي سريا. و قد استلهم "ابن الوراق" اسمه الحركي من أحد علماء الكلام الغامضين من القرن التاسع ميلادي و المعروف باسم أبو عيسى الوراق و الذي كتب على الأرجح مع كاتب آخر، أبو الحسين ابن الراوندي، "كتاب الزمرد" و الذي يعتبر المؤلف الأكثر تعبيرا عن التيار الالحادي في الفترة الاسلامية الوسيطة. و عموما يقدم "ابن الوراق" الباكستاني نفسه بأنه لم يقطع مع أصوله الاسلامية فحسب بل يعتبر نفسه ملحدا أساسا.
برز "ابن الوراق" سنة 1995 مع نشره كتابا أثار جدلا إعلاميا بعنوان "لماذا لست مسلما؟" و الذي لم يكن مؤلفا أكاديميا بالأساس بل محاججة على موقفه الالحادي على هامش الجدال الدائر حول سلمان رشدي و على خصوصية الاسلام بوصفه "ايديولوجيا توتاليتارية بطبعها" مع نصوص لامست باحتشام بعض المقاربات الاكاديمية للتاريخ الاسلامي. غير أنه تابع ذلك بإصدار مؤلفات "تجميعية" أو شبه أنطولوجية أي تجمع و تعيد نشر دراسات أكاديمية نشرت سابقا من قبل بعض المستشرقين القدامى (النصف الأول للقرن العشرين) مع مقدمة تؤطرها يطرح فيها أهم آرائه. الكتاب الأول من هذا النوع "أصول القرآن" نشر سنة 1998. و الكتاب الثاني بعنوان "البحث عن محمد التاريخي" نشر سنة 2000. و مع هذين الكتابين بدأت مغامرة "ابن الوراق" في سياق توظيف "إسلاموفوبيي الخدمة" لصراع قائم أصلا بين الاكاديميين المختصين في التاريخ الاسلامي.
العروض النقدية (reviews) القليلة التي نشرت، خاصة بين سنتي 1999 و 2002 من قبل باحثين رئيسيين في الاختصاص مثل فريد دونير (Fred Donner) و تود لاوسن (Todd Lawson)، حول كتابي "ابن الوراق" أجمعت على نقطتين: الأولى، أنهما لم يقدما جديدا ليس لأنهما أعادا نشر دراسات قديمة عمرها يزيد عن القرن أحيانا و لكن أيضا بسبب أن مقدمتي "ابن الوراق" التي كان من المفترض أنهما يؤطران هذه البحوث هي تلخيص "سيئ" و "غير دقيق" لبحوث بعضها من التعقيد إلى درجة ليس من الواضح أنها مفهومة حتى من قبل أقدر المختصين في سيرة الرسول أو "الدراسات القرآنية". النقطة الثانية التي أجمعت حولها هذه العروض النقدية، هي موقف ابن الوراق ذاته الذي تم وصفه بأنه "معادي للاسلام" (anti-Islamic) و "جدالي" (polemicist) بمعنى انعزاله عن المنهج النقدي الاكاديمي و تبعيته لخلفيات سياسوية. و يبدو ذلك منسجما مع اعتبار رموز نيومحافظة تتعامل مع موضوع التاريخ الاسلامي من زاوية "جدالية" هي أيضا مثل دانيال بايبس الاسهام الخاص لـ"ابن الوراق" في السجال الأكاديمي حول سيرة الرسول أو "الدراسات القرآنية" بناء على كتابه الأول و ليس حتى كتابيه الذين خاضا مباشرة في الدراسات الاكاديمية بأنه عمل: "يجلب مطرقة أكاديمية حادة لمهمة تدمير الاسلام... إدانة لواحدة من أكبر ديانات العالم قائمة على بحث دقيق و لامع، و لو أنه فوضوي أحيانا" (دورية "الويكلي ستاندارد" جانفي 1996).
غير أنه من المثير للانتباه أن باتريشيا كرونه (Patricia Crone) كواحدة من أهم المؤرخين المعاصرين للاسلام و أحد الرواد الاحياء لما يسمى بـ"مدرسة المراجعة" (revisionism) للتاريخ الاسلامي المبكر، و هي المدرسة التي قامت و تقوم عمليا بإحياء مقاربات "الاستشراق الكولونيالي" بشكل تجاوزها أحيانا و هي تحديدا المدرسة التي تتقرب منها كتابات "ابن الوراق"، تتجاهل تماما الاخير بل تقف موقف الريبة من كتابات "جدالية" من هذا النوع. كرونه، و هي بالمناسبة أستاذة سابقة لي تقوم منذ سنوات قليلة بنقد "مراجعاتها" من موقعها كباحثة في "معهد الدراسات المتقدمة في برنستون"، نشرت في جوان 2008 تقييما عاما لتاريخ الاسلام المبكر بعنوان "ماذا نعرف بالتحديد عن محمد؟" عرجت فيه على التوظيف السياسوي لبعض كتابات مدرسة "المراجعة" المهتمة خاصة بموضوع "الدراسات القرآنية" و التي سقط بعضها في "الهواية" (amateurism) و أقحمت نفسها في سياق "عاطفي" خارج اهداف البحث العلمي من نوع"تلقين المسلمين كيف يجب ان يعيشوا كمتنورين".
ردود الأفعال هذه تؤطر بإخلاص المأزق الذي يوجد فيه نموذج "ابن الوراق". فرغم رغبته القوية في التصرف كأكاديمي إلا أنه يعترض التهميش ليس من قبل الأكاديميين الغربيين المستشرقين المختلفين معه موقفا و منهجا فحسب بل حتى مع أولائك الذين يتقرب منهم بشكل حثيث. في المقابل، و خارج الأكاديميا، و خاصة في حقل "نقد الاسلام" السياسوي النيومحافظ الاسلاموفوبي يجد "ابن الوراق" له أنصارا متحمسين. و هكذا يبدو العنوان الذي يرفعه "ابن الوراق" لكتاباته أي "نقد الاسلام" أو "كشف حقيقة الاسلام أكاديميا" من الزاوية الأكاديمية بالتحديد إشكاليا خاصة عندما يكون عرضة للتجاهل بل أيضا للانتقاد الضمني و المعلن من قبل رموز المدارس الاستشراقية بما في ذلك التي يتقرب منها. إن أدلجة و سياسوية "نقد الاسلام" في هذه الحالة أي عجزه عن التعبير بالمناهج الأكاديمية السائدة و المهمشة حتى يمثل خاصية أساسية لتعريف "الاسلاموفوبيا الاكاديمية". غير أن ذلك لا يجب أن يعني الاستعاضة عن التعرض لمضمون كتابات "ابن الوراق" بشكل مباشر و الأهم من ذلك مدرسة "المراجعة" التي يحاول استنساخها خاصة في حقل "الدراسات القرآنية" الشائك. و سنركز بالتحديد على كتابه "أصول القرآن" و الجدال الدائر بين المختصين حول هذا الموضوع بشكل عام.
من المضحكات المبكيات... قبيلة قريت مقال (هنا) متاع عبد الجليل التميمي أستاذ أجيال متعاقبة من طلبة التاريخ في كلية 9 أفريل و إلي كانلي شرف المشاركة مع طلبة أخرين في تكريمو عام تقاعدو (التقاعد القسري يلزمني نقول بما أنو كان يحب يمدد مساهمتو التعليمية.. و هذا موضوع مؤلم آخر في الجامعة التونسية)... عبد الجليل التميمي إلي أسس أول مركز دراسات مستقل فعلا في تونس و بادر بتنظيم حلقات الذاكرة الوطنية...
المركز هذا القائم على تمويلات خاصة و تغلب على صعاب رهيبة للمحافظة على استقلاليتو و تنظيم ملتقيات أكاديمية دولية في عدة مجالات في علاقة بالتاريخ بما في ذلك علم الآثار... و الأهم من ذلك من المؤسسات الاكاديمية التونسية القليلة (إذا مش النادرة) إلي تنشر بشكل فوري أشغال الملتقيات الاكاديمية إلي تنظمها... المركز هذا يتعرض بشكل دوري للسطو على حقوق النشر... آخرها الحادثة هذية... المعضلة أنو إلي قام بعملية السطو حط في أول الكتاب "حقوق الطبع محفوظة".. ههههههههههههه...
طبعا شهادة أحمد بن صالح شهادة مهمة جدا بما أنو كان الرجل الثاني في السلطة في تونس في مرحلة حساسة و هي مرحلة العشرية اللاحقة على الاستقلال (بالمناسبة سيد أحمد إنسان رايع من الناحية الشخصية و سبقلي أني زرتو مع الوالد أكثر من مرة و شفت بشكل مباشر قداش يحب يحكي على المرحلة الحساسة هذيكة و يبلغ وجهة النظر متاعو فلي جرى.. وفعلا ذاكرة عجيبة و كنز حقيقي من المعلومات كان جات الدنيا دنيا راهو "تلفزتنا الوطنية" هي إلي سجلت شهادتو)... لكن هذا ما يبررش الفوضى في النشر خاصة كيف البلاد ما يبداش فيها الكثير من دور النشر إلي في قيمة مركز التميمي
ضمن زخم الكتب التي صدرت في الأشهر الماضية وخاصة منها تلك التي تتضمن مذكرات العديد من الشخصيات الوطنية، لفت انتباهنا مؤخرا صدور كتاب يحمل عنوان "أحمد بن صالح عبر محطات الذاكرة" وهو في 314 صفحة من الحجم المتوسط (21x13.5)،
ودون تاريخ ولا دار أو مكان نشر. ومع ذلك ورد على غلافه أنه من تحقيق د.عبد الرحمان عبيد، وأضيف إلى ذلك في الصفحة الأولى من الكتاب أنه "طبعة مدققة وموثقة بإشراف صاحب النص"، كما نشير أيضا إلى أنه حسب ما جاء في مقدمته التي حررها لهذا الغرض أنه مطبوع "على النفقة الخاصة" للسيد أحمد بن صالح (ص 7).
.....
لقد كرر السيد عبد الرحمان عبيد عبارة "صاحب النص" في إشارة إلى السيد أحمد بن صالح، أكثر من مرة، أولاها في الصفحة الأولى حيث جاءت عبارة "طبعة مدققة وموثقة بإشراف صاحب النص" كما تخللت هذه العبارة المقدمة في الصفحات 6 و7 و8 و15. والجميع يعرف أن مؤسستنا هي التي بادرت عام 2001 لأول مرة باستضافة السيد أحمد بن صالح في مقرها السابق بزغوان ليلتقي في مناسبتين مع من دعوناهم من مؤرخين وباحثين تونسيين بارزين، وسجلنا بطبيعة الحال فعاليات ذينك اليومين بالصوت والصورة. وقامت المؤسسة على نفقتها بتفريغ تلك التسجيلات وإصلاحها وأمدت بها السيد أحمد بن صالح ليقوم بإدخال بعض التعديلات عليها، وهو ما تم بالفعل. وبالتالي فإن صديقنا أحمد بن صالح ليس "صاحب النص" وإنما هو "صاحب الكلام"، ومازلنا نحتفظ بالتسجيل للتاريخ، وعلى ضوء ذلك فهو لم يعطنا نصا مكتوبا وإنما شهادة شفوية، وحينئذ فصاحب النص هو مؤسستنا، التي قامت بتفريغ التسجيلات وصياغتها في نص حتى تكون جاهزة للنشر.
......
والأغرب من ذلك أن السيد عبد الرحمان عبيد قد ظن أنه بهذا العمل قد أصبح مالكا للكتاب الأمر الذي دفعه أن يتجرأ على أن يضع عليه عبارة "جميع الحقوق محفوظة"، ولسنا ندري عن أي حقوق يتكلم؟ إننا لم نكن نتصور أن شخصا ممن ينسب نفسه إلى الثقافة ويدعي أنه حاصل على الدكتوراه، يمكن أن يصل به تصرفه في حقوق الآخرين إلى هذا الحد، خاصة وقد وضعنا على الكتاب عند صدوره لأول مرة المقطع التالي: "حقوق الطبع محفوظة بما في ذلك الاقتباس بأي وسيلة كانت إلكترونية مستحدثة أو غيرها وخاصة منها التصوير والذي أصبح يتم بشكل غير قانوني". فإذا بالسيد عبد الرحمان عبيد يشطب ذلك المقطع، مصرا على أنه صاحب "جميع الحقوق" في الكتاب، وكأنه شريك لنا فيه، أو أنه يمتلك نصا خطيا منا يجيز له فعل ما فعله، أو لعله يعرف صيغة جديدة أو شرعة تجيز له تملك المسروق. وهو أمر لا نخاله يخدم سمعته اليوم.
إن ما قام به السيد عبد الرحمان عبيد غير جائز علميا ولا قانونيا ولا أخلاقيا، وهو ما يجعلنا نتمسك بحقنا كاملا بما يسمح به القانون وطبقا للسلوك المدني والحضاري.