مقال خرج اليوم في جريدة "الشروق" التونسية (12 سبتمبر)... يظهرلي أول مرة يقع نشر تقارير من النوع هذاية (يعني ما يعرف شعبيا تحت تسمية تقارير "استفيد أن") في جريدة تونسية (نتذكر مرة برك قريت نماذج منها في دراسة تاريخية)... المهم الملفت للانتباه في بعض النصوص هذية (خاصة النص الثالث) هي أنها تستخدم نفس اللغة الدعائية الرسمية ("إشاعات مغرضة" و "العناصر المناوئة" و هي بالمناسبة مصطلحات مازالت حية و متداولة) و ما تكتفيش بنقل الأحاديث و الوقائع كيفما هوما... بلغة أخرى إنت و زهرك و مع أناهو كاتب تقرير اتطيح... زيد فمة نقطة أخرى من الضروري التحدث عليها بالمناسبة هذية: أرشيف وزارات السيادة في تونس بما في ذلك وزارة الداخلية غير متاح للتحقيق و الدراسة التاريخية... و مهما كان الصحفي إلي عمل التقرير مغروم بالتاريخ فإنو من المفروض أنو وثائق من النوع هذا تلقى طريقها لدى المؤرخين المحترفين و المختصين في التاريخ المعاصر و فمة منهم تبارك الله الكثير... طبعا فمة النقطة لخرة و هي أنو الصحفي ما قالش حتى كيفاش تحصل على الوثائق هذية من باب تأكيد صدقيتها...على كل هاي النماذج إلي تعرضلها تقرير جريدة الشروق 12 سبتمبر...* عرض وقراءة: خالد الحدّاد
القيمة الوثائقية للتقارير التي حصلت عليها «الشروق» هامة جدّا وميزتها أنها من أولى الوثائق الأمنية التي تهم فترة نهاية التعاضد ان لم تكن الوحيدة كما ان للتقارير أهمية أخرى كونها تقدّم وجهة نظر أخرى ستكون بالتأكيد مقابلة لوجهة نظر السياسيين (وزراء وكتّاب دولة) الذين تحدّثوا ما طاب لهم عبر كتاباتهم وشهاداتهم التاريخية حول فترة ما يزال يلفها الكثير من الغموض والالتباس وتتداخل فيها رغبات شخصية ومصالح ضيّقة ومتأثرة أىضا بالصراع على السلطة في فترة بدا فيها الزعيم الحبيب بورقيبة خاضعا لميشئة المرض.
* برامج الاصلاح الزراعي
التقرير الأمني الاول موجه من مدير الأمن الوطني (حسن ببّو) الى السيد كاتب الدولة للداخلية (الباجي قايد السبسي) وهو بتاريخ 22 فيفري 1969 ويحمل العدد 1184 ، أما موضوعه فهو: «بشأن برامج الاصلاح الزراعي وصدى حادثة الوردانين».
جاء في التقرير:
لقد أبدى المواطنون في جل أنحاء الجمهورية اهتمامهم البالغ بالمقررات المنبثقة عن ندوة «زرمدين» المنعقدة بتاريخ 3 جانفي المنصرم، وحللوا ما تضمنته من توصيات بشأن برامج الاصلاح الزراعي ومشاريع تطوير غابة الزياتين بالساحل، طبقا لما نص عليه فخامة الرئيس في خطابه التاريخي الذي ألقاه بنفس البلدة منذ خمس سنوات.
والملاحظ أن جل المواطنين وعلى الاخص أهالي جهة الساحل كانوا يتوقعون صدور تلك المقررات بعد انتهاء السلطة من تركيز التجمعات التجارية بمعظم الولايات، واتجاهها الى اعداد الدراسات المتعلقة ببعث الوحدات الانتاجية. وساد الرأي منذ تأسيس الاتحاد القومي للتعاضد بأن البرامج الفلاحية المنتظرة ستدخل حيز التنفيذ في أقرب الآجال بضم أراضي الخواص وجمع شتات الأملاك الصغرى في قالب تعاضدية فلاحية بالنسبة لكل منطقة.
وبالفعل، فقد شُرع اثر الندوة المشار اليها بتنظيم سلسلة من الاجتماعات الاخبارية بالدوائر التابعة لكل من ولايتي سوسة ونابل، افسح خلالها المجال للمواطنين لمناقشة المشروع من جوانبه المختلفة، وطرح ما يرونه من مشاكل وعراقيل قصد دراستها ومحاولة ايجاد الحلول لها قبل الشروع في التطبيق.
* وحدات انتاجية ومواقف
ويتدرّج التقرير في أعقاب ذلك التقديم الى استعراض «مواقف المزارعين من نظام الوحدات الانتاجية» مبرزا الاختلافات التي كانت موجودة وعدم الاقتناع بالبرنامج الذي كان يعدّ لتنفيذه الى جانب حقيقة مهمة هي تضارب تصريحات المسؤولين بشأن المشاكل الهامة التي ستنشأ عن الادماج، يقول التقرير:
* مواقف المزارعين من نظام الوحدات الانتاجية:
ولئن بدا الاقتناع عقب تلك الندوات على جانب من صغار المزارعين والعملة الفلاحيين الذين لم يروا بدا من مسايرة المقررات الحكومية في انتظار نتائجها فإن معظم الملاكين للأرض لم يكونوا مقتنعين بالتوضيحات التي قدمها لهم المسؤولون في أجوبتهم على استفسارات المواطنين، ذلك ان هؤلاء يعتقدون أن الكثير من المشاكل الهامة التي ستنشأ عن الادماج والتي لها صلة بمستقبل عيشهم وبمآل ممتلكاتهم بقيت بدون حل، فضلا عن تضارب تصريحات المسؤولين بشأنها...
ويورد التقرير في صفحته الثانية مجمل المشاكل التي كان يتوقعها المزارعون وأبرز ما كان «يُخيفهم» عند بدء تطبيق برامج الاصلاح الزراعي، والمشاغل المخيفة هي:
1) مسائل السكن، ونظام الشغل بالنسبة للمتعاضدين المباشرين.
2) الضمانات الممنوحة لاصحاب الارض من حيث استمرارهم في التمتع بالملكية.
3) مصير الأرامل والعجز بعد ضم أراضيهم للوحدات الانتاجية.
4) كيفية تقويم الاراضي الخصبة والجرداء والتوفيق بين التقديرات على أساس القيمة الانتاجية والمساحة والتجهيزات.
5) أساليب التصرف المزمع اتباعها ومدى مشاركة المتعاضدين في هيئات الاشراف.
6) مآل القروض والديون المتخلدة بذمة المزارعين وكيفية استخلاصها في المستقبل.
7) المشاكل المنجرة عن كسب المواشي والامكانيات التي ستوفر لها قصد ايجاد المرعى سواء ضمن التعاضديات أو خارجها.
8) مدى تعميم التعاضد في المستقل وشموله لاراضي الخواص الذين لم ينضموا اليه ككبار الملاكين والوجهاء.
* ادعاءات مغرضة وشائعات
وبعد استعراض لأهم تلك المخاوف التي عبر عنها المزارعون في الندوات، يستشرف التقرير الأمني عدد 1184 بتاريخ 22 فيفري 1969 الأجواء في الشارع التونسي وخاصة بالجهات الفلاحية الكبرى (نابل، صفاقس، سوسة)... وحالة الاضطراب والخوف نتيجة وضعية الغموض والتداخل وكثرة الإشاعات والادعاءات المغرضة والتي بثتها ـ حسب ما جاء في التقرير عناصر مناوئة للاشتراكية ـ يواصل التقرير تشخيص الواقع:
«والى جانب ما أحدثته هذه المسائل من تململ في الاوساط المعنية فقد ازداد تخوفها من التعاضد اثر رواج الادعاءات المغرضة القائلة بأن الدولة التجأت الى مشروع الوحدات الانتاجية كطريقة لينة وشرعية لتأميم العقارات الفلاحية بصفة تدريجية، وان المؤسسات التي انبعثت خلال السنين الفارطة قد أسفرت عن نتائج سلبية نظرا لسوء التصرف فيها وافتقارها للمياه الصالحة للرّي.
واعتمادا على تلك الشائعات أخذت بعض العناصر المناوئة للاشتراكية وخاصة بولايتي سوسة وصفاقس تعمل على بذر الشكوك في أوساط المزارعين قصد إثارة المعارضة الشعبية لفكرة ضم أراضيهم واقتلاع زياتينهم الهرمة، وذهب البعض الى حد محاولة التخلص من أملاكهم ومواشيهم وكذلك عرض أجهزتهم الفلاحية للبيع قبل أن تدمج بالوحدات الانتاجية، في حين صدرت عن غيرهم مواقف غريبة أثناء الندوات المنعقدة بالدوائر المعنية، من شأنها ان تبعث الشكوك في المواطنين وتظهر لهم مشروع التعاضد بمظهر الاجراء المضر بمصالحهم الشخصية وباقتصاد البلاد.
وقد أشار الكثير من فلاحي ولايتي نابل وصفاقس، بأن خبرتهم في الميدان الزراعي والطرق العصرية التي ما انفكوا يستعملونها في استغلال أراضيهم تجعلهم في غنى عن المشاركة في الوحدات الانتاجية، خصوصا وأنهم قادرون على تحسين تلك الأساليب وكل ما من شأنه ان يوفر المزيد من الانتاج طبقا لرغبة الدولة.
أساليب التنفيذ وفوائد جمّة للتعاضد
وفي مرحلة لاحقة يذكر التقرير مختلف المواقف بشأن أساليب تنفيذ الاصلاح الزراعي مقرّا بوجود عناصر واعية ومثقفة كانت تعتقد بوجود فوائد جمة للتعاضد اذا لم يتم التسرع في تنفيذه.
* حول أساليب تنفيذ الاصلاح الزراعي:
ولاحظ العديد من المهتمين بسير المشاريع الفلاحية، ان الدولة اذا ما قررت ترك الحرية مبدئيا للجان الجهوية والمحلية الموكول لها أمر التنفيذ، فانها ستنفرد فيما بعد بالتصرف في كامل الوحدات الانتاجية عن طريق الاتحاد القومي للتعاضد، وبذلك يصبح الملاك مجرد أجير في أرضه مقابل دخل لا يفي بحاجيات عيشه، ولتدعيم هذا الرأي يشير المعنيون إلى القانون الأساسي الذي وضعته الحكومة للمؤسسات المذكورة والذي كان في معظمه مستمدا من خطابات المسؤولين ومن ضمنهم السيد والي سوسة ونابل، حيث نص فيه على تقسيم المتعاضدين إلى صنفين، أولهما يضم العملة وصغار الملاكين المباشرين للأشغال الزراعية والثاني يشتمل على أصحاب الأرض غير المباشرين، وهؤلاء لم تمنح لهم من الضمانات سوى رقاع ربما يجبرون على التفويت فيها لفائدة الوحدات الانتاجية فيما بعد.
وفي هذا الصدد تعتقد بعض العناصر الواعية والمثقفة ان مشروع التعاضد تكمن فيه فوائد جمة من حيث أهدافه الاقتصادية والاجتماعية، لكن يجب على الحكومة أن تتحاشى التسرع في تنفيذه قبل أن تكون قد وفرت له الاطار الفني والاداري اللازم لانجاحه، حتى تقضي على الشكوك والادعاءات المغرضة.