ملاحظات حول تعليق أزواو على تدوينتي حول العلمانية (الجزء الأول)
كتب أزواو تعليقا على ثلاث أجزاء (هنا و هنا و هنا) على تدوينة كنت كتبتها حول موضوع علاقة الدين بالدولة (هنا). سأتجاوز كل الملاحظات التي ربما تميل لتشخيص هذا الجدال و الدفع به نحو اتجاه غير مجدي بما في ذلك تخيل أزواو لسبب أجهله أنه معني شخصيا بانتقادات كنت وجهتها لبعض المتبنين لخيار العلمانية (كنت تركت تعليقا في هذا الشأن هنا التعليق الخامس). لكن يجب أن أقول أنه باستثناء هذه النقطة فإني أحيي في تعليق أزواو رغبته الواضحة في نقاش هادئ و متزن. لهذا سأمر مباشرة لصلب الموضوع.
لكي لا أطيل من حجم ملاحظاتي على تعليق أزواو سأقسمها بدوري لثلاثة أجزاء أتمنى أن أنهيها جميعا في أسرع وقت ممكن (و هو الأمر غير المضمون للأسف بفعل قرب جلسة الدفاع عن أطروحة الدكتوارة). قمت بوضع استشهادات مباشرة لي و لأزواو في الهوامش أسفله بهدف الشفافية في النقاش، و قمت بوضع كلام أزواو باللون الأزرق و كلامي باللون الأحمر.
بالنسبة للجزء الأول من تعليق أزواو لدي الملاحظات التالية:
- يعتبر أزواو أني أدعو لنقاش "أكاديمي" (لا ينخرط فيه إلا الحاملين لشهائد "المرحلة الثالثة" فحسب) حول مسألة علاقة الدين بالدولة كما أنني أقصي الشباب التونسي خاصة البلوقوسفيري من هذا النقاش.[1] يرجع هذا الاعتقاد، على الأرجح، لمقدمة تدوينتي و التي أعيد عرضها في الهامش.[2] بداية يجب عدم الخلط بين أمرين: نقاش "أكاديمي" و نقاش "جدي." إذ ليس كل نقاش "أكاديمي" هو ضرورة نقاش "جدي،" و الأهم من ذلك هناك الكثير من الأمثلة لكي نقتنع أن هناك الكثير من "الجدية" في نقاشات يقوم بها "لا أكاديميون." و هذا كل ما دعوت إليه: نقاش جدي و حسب. و يبدو هذا التفريق بديهيا بما فيه الكفاية حتى لا يدركه أزواو و هو ما يجعلني أتساءل عن الداعي لقيامه بتأويلات مثل "المرحلة الثالثة" و أني أضع شروطا دراسية في هذا النقاش في الوقت الذي لم أصرح بأي شيئ في هذا الاتجاه عدى الدعوة لنقاش "جدي." و أعتقد أن نشاطي البلوقوسفيري المصبوغ بالانفتاح على مختلف المدونين و الانخراط في مدونات جماعية بمعزل عن خلفياتنا الدراسية و أو غيرها و كذلك مشاركتي عدد من المدونين للدفع المستمر نحو نقاشات و حورارت بين الناشطين في الفضاء البلوقسفيري إن كانت تكشف عن أمر فهي تكشف بالتأكيد على اهتمامي بما يكتبه المدونون و ليس بمستوياتهم الدراسية. و هذه نقطة أرجو أن لا يتم المزايدة علي فيها. و هكذا يجب التفريق بين مستويات مختلفة من انتقادي للنقاش الذي ساد لفترة: نقد لنقاش موسمي يلامس الموضة من جهة (و هو الأمر الذي ينطبق على ظاهرة لا أعتقد أني مخطئ في تقديرها) مع ظواهر مرافقة له و لم أعن البتة أنها تمثل كل العناصر المشاركة في النقاش ("محفوف"، "كثير") من جهة أخرى (مرة أخرى يجب أن أوضح هنا أن المعني بملاحظاتي ليس البلوقوسفير التونسي بالأساس بل نقاشات وجدتها على مجموعة في الفايسبوك و التي بدت لي في غاية التبسيط و الطفولية). إزاء قراءة أزواو التي تبدو منجذبة نحو تحوير معني كلامي و إسباغ ماهو نسبي فيه بمعاني إطلاقية خارجة عنه، أجدني في حاجة للاشارة لأزواو الى أني لن أقوم بتحميل نصوصه مثلا بمعاني إطلاقية حتى عندما تنص عليها. مثلا في تدوينة سابقة (هنا) يشير أزواو إلى أن "المناهضين" لبديل الدولة العلمانية (هكذا في العام) إما يرفضونها من منطلق عدم تلاؤمها مع الاسلام أو من زاوية دفاع العلمانيين على إسرائيل. في حين هذا التعميم و الذي يعني فيما يعني النقاش الذي يدور في المدونات التونسية هو تعميم في غير محله. أنا شخصيا بوصفي مدونا تونسيا شارك في النقاشات التي اشار إليها أزواو أختلف مع أصحاب البديل العلماني على أسس أخرى لم يذكرها أزواو. لكن برغم ذلك لن أعتمد ظاهر الكلام و سأفهم، بناء على الثقة في تقدير أزواو، أنه لم يقصد التعميم هنا خاصة أني أعرف أنه يعرف أن المختلفين مع البديل العلماني أكثر تعقيدا مما ذكر.
- يعتبر أزواو أني "أقزم" و "أحتقر" العلمانيين و المطلب العلماني عندما "أشير"، كما قدم الأمر، إلى رغبة العلمانيين في الإفطار بحرية في رمضان كأساس لدفاعهم عن المطلب العلماني.[3] مرة أخرى ينقد هنا أزواو شيئا لم أصرح و لم أقله البتة. بالعودة للفقرة التي يشير إليها[4] يمكن أن نلاحظ أن جوهر المسألة هنا هي محاولة تفسير نوع العلمانيين التونسيين ليس على أساس عاداتهم الغذائية بل على أساس أكثر أهمية و هو مسألة ضمان حقوقهم كأقلية لادينية تطلب الحق في التصرف بحرية خارج الضوابط الدينية التي تؤمن بها الأغلبية (مسألة الإفطار في رمضان مثال عملي و مبسط على نوع الحقوق المطلوبة). و هذا في إطار مسألة أكثر أهمية تجاوزها أزواو و هي تركيزي على ظاهرة واقعية و هي أن الغالبية الساحقة، و الأهم من ذلك غالبية "العلمانية المناضلة" هم لادينيون. و بالتالي هذا ليس من أجل الاستدلال أو البرهنة على أن العلمانيين يمثلون أقلية و أن مطلبهم غير شعبي كما ذهب الي ذلك أزواو،[5] بل في إطار التأكيد على غلبة اللادينيين على تركيبتهم الراهنة، و هي نقطة لا تتعلق بسب أو شتم أو تحقير شخوص العلمانيين بل هي نقطة جوهرية في تفكيك خطاب "العلماني التونسي." و بالتالي الجدال هنا، عوض تجاهل هذه النقطة و الدفاع عن شرف العلمانيين ضد "إحتقار" غير موجود، يجب أن يبدأ من إمكانية أو عدم إمكانية الإقرار بها كظاهرة (أي ظاهرة غلبة اللادينيين على العلمانيين التونسيين) ثم الانتقال إلى محاولة تفسيرها و تفسير أثرها على الخطاب العلماني السائد. هذه النقطة الأساسية هنا و ليس الإفطار في رمضان.[6]
- يعلق أزواو على موقفي من لاشعبية المطلب العلماني بأن هناك مطالب أخرى غير شعبية إلا أنها لم تتعرض للنقد و التفنيد.[7] و ينقد رؤيتي هذه من ثلاثة زوايا: أولا بأن التركيز على لاشعبية أي مطلب يمكن أن تجر للتخلي عن المطلب الديمقراطي (الحرية السياسية)،[8] و ثانيا أني أقوم بالتعميم عندما أعتبر أنه تاريخيا المطالب الشعبية فقط هي التي تتحقق على أساس أن هذه المطالب رفعت لواءها في البداية أقليات قبل أن تصبح مطالب شعبية،[9] و ثالثا أن ليس كل المطالب الشعبية "إيجابية" حيث هناك مطالب شعبية "تحمل الردة و التقهقر."[10] بالعودة إلي الفقرة المعنية من تدوينتي و التي جاءت في شكل تساؤل كنت شددت، مثلما أفعل دائما، على "اللحظة التاريخية" الراهنة و "إلحاحية" المطلب العلماني الذي يتم تقديمه الآن بوصفه "حلا" لعدد كبير من مشاكلنا الراهنة إذا لم يكن جميعها.[11] أولا، كنت تحدثت سابقا عن المطلب الديمقراطي و لم أطبق عليه مقاربة مختلفة عما أوردته في علاقة بموضوع علاقة الدين و الدولة أي المقاربة التاريخانية (هنا). حيث أرى أننا نحتاج كذلك للنظر إلى المطلب الديمقراطي ليس من زاوية مبدئية مثالية بل من زاوية إمكانات تحقيقه في اللحظة التاريخية الراهنة. لكنني في هذا الإطار أعتقد أن المطلب الديمقراطي يستجيب للحظة الراهنة بعكس المطلب العلماني. إذ هو متلبس ضمن الاهتمامات الشعبية ليس من خلال خطاب نخبوي حول "تلازم الحرية السياسية مع الحرية الاقتصادية" بل من زاوية المطلب المركزي للشارع حاليا أي المطلب الاقتصادي و الاجتماعي. إذ أن أبسط مظاهر المطلب الديمقراطي، أي "حرية التعبير،" متلبسة مباشرة بالمطالب الاقتصادية. إذ أن مجرد رفع هذه المطالب يستوجب بشكل آلي ممارسة حق التعبير، في تجسيد مباشر للمطلب الديمقراطي. إن هذه العلاقة الواقعية (غير المجردة أو النظرية) بين ما هو ديمقراطي و ماهو إقتصادي-إجتماعي غير موجودة في علاقة بالمطلب العلماني. ثانيا، يجب التفريق بين مستويين: تبني غالبية شعبية فعليا لمطلب ما من جهة أولى و إمكان تبني غالبية شعبية لمطلب ما من جهة ثانية. هنا نحن بصدد معادلة فلسفية قديمة: الأول تحقق الأمر بالفعل و الثاني تحقق الأمر بالقوة. لنأخذ مثال الحركة الوطنية بما أننا سنحتاجه لاحقا. إن غياب أو تضاؤل (لاشعبية) الحركة الوطنية التونسية بين 1881 و 1911، ثم بين بين 1914 و 1919، ثم بين 1921 و 1931، ثم بين 1938 و 1946 لا يعني أن موضوع هذه الحركة ("تحرير البلاد") لم يكن "مطلبا شعبيا." إن المطلب الوطني (مطلب الاستقلال) كان مطلبا كامنا (متحقق بالقوة) في تلك المراحل الصعبة. مرتبطا مع هذا المطلب كان المطلب الاقتصادي-الاجتماعي الذي عبر عنه، كذلك بشكل متفرق و بعد ولادة قيصرة على مراحل، التنظيم النقابي "التونسي" المنفصل عن النقابات الفرنسية. لكن غياب النضال الشعبي الحركي من أجل هذه المطالب في مراحل مختلفة كان يوازيه ظهورها في مراحل أخرى. بمعنى آخر "ما يتحقق بالقوة" يجد براهينه في الأثناء من خلال "التحقق بالفعل". المطلب الوطني/الاقتصادي-الاجتماعي كان تعبير أقلية في كل بداية جديدة (1911، 1920، 1931-1934...) لكن أقلية كانت ناجحة من خلال تبني شعبها لمطالبها. غير أن هذا النجاح لم يكن ناتجا عن عملية اعتباطية أو عن عبقرية خاصة بهذه الأقليات القائدة بل ببساطة لأن مطالبها منسجمة مع شعبها. و هكذا وجدت في تلك المرحلة التاريخية أقليات قيادية أخرى مثل "الحزب الشيوعي الفرنسي-فرع تونس" (لاحقا "الحزب الشيوعي التونسي") غير أنها كانت منعزلة عن الشعب التونسي بسبب مطالبها التي قامت و لفترة طويلة بتجاهل و تهميش طبيعة المرحلة التاريخية و القضية المركزية المميزة لها أي قضية التحرر الوطني. و هكذا فإن "التجارب التاريخية السابقة" تؤكد و لا تنقض قاعدة ضرورة أن تكون المطالب شعبية، أي منسجمة مع حاجات أي شعب في هذه الظرفية التاريخية أو تلك، حتى يمكن لها أن تتحقق. كما أن الأقليات (القيادية) هي أقليات ذات "إمكان شعبي" طالما كانت مطالبها منسجمة مع المرحلة التاريخية التي تعيشها. إذ لا توجد أقليات قيادية/نخبوية تجذب اهتمام شعبها بفضل القدرة أو العناية الإلهية. و هكذا فالمسألة التي تحتاج النقاش هنا ليست الأقليات القيادية في ذاتها بل مدى ملاءمة مطالبها مع المطالب التي تلائم مصالح شعبها في مرحلة محددة. ثالثا (أي في علاقة بالنقطة الثالثة التي أثارها أزواو) فقد كنت أتمنى أن يذكر أمثلة محددة تشير إلي "مطالب شعبية" كانت تدافع عن "التقهقر و الردة" و ليست "إيجابية،" إذ أخشى أن يكون تقديره لمعاني "التقهقر" و "الايجابية" هنا مبنيا على أسس خاصة بموقعه الاديولوجي و ليس على أساس تقييم موضوعي. و هنا من الضروري التوضيح. لا أتبنى هنا الموقف السياسوي (و الذي يمكن أن نجده تقريبا عند كل من يمارس الفعل السياسي) و الذي يقوم بتقديس الشعب و التطبيل إليه و الإشادة بـ"حكمته" بل أنطلق من تقدير أكثر موضوعية. مرة أخرى تبدو المقاربة التاريخانية مفيدة للغاية هنا: بمعزل عن الرؤية التطورية للتاريخ ("تقدم" ضد "رجعية") و التي تعرضت لما يكفي من النقد حتى نحذر في أقل الأحوال من اعتبارها مبدأ تاريخيا بديهيا يمكن لنا أن نرى أن "المطالب الشعبية" و التي تطبع أي مرحلة تاريخية محددة هي في النهاية المطالب التي تتحقق. و في نهاية الأمر هذا تحديدا ما كان همني و لايزال يهمني شخصيا من كل موضوع العلمانية و علاقة الدين بالدولة بشكل عام: إذ صراحة لست ممن يقيمون مطالب كبيرة و جوهرية مثلما هو مطلب العلمانية من زاوية "جماله المثالي" أو المبدئي المجرد بل من زاوية حظوظ تحققه في الواقع التاريخي المنزل فيه. و بفضل نعمة العقل و الإنجازات المنهجية للفكر البشري يمكن لنا أن نقترب من حسم هذه المسائل على المستوى الفكري وليس على مستويات التعاطف و الاحساس و الرغبة.
التحولات التاريخية الكبيرة سواء في علاقة بالتركيبة الاقتصادية و الاجتماعية أو طبيعة الدولة على مستوى علاقتها بالدين تحولات لا تتحقق بسبب رغبات أقليات نخبوية. هذه رؤية سوريالية لدور النخبة. رؤيتي لا تقوم على إلغاء دور النخبة كما ذهب إلى ذلك أزواو[12] و إنما على أساس فهم دورها بشكل واقعي. لأنه فعلا—و ليس لأن ماركس قال ذلك— لا يصنع التاريخ رزمة من "الأبطال." طبعا الشعوب كانت و لازالت و ربما ستبقى تحتاج لصورة الأبطال. فتلك حاجة معقدة لها علاقة بسيرورة عفوية لصناعة الثقة لدى أفراد أي شعب كان. غير أن ذلك لا يمكن أن يعني البتة أن أي نخبة أو أقلية بأي مشروع كان يمكن لها أن تصنع التاريخ لمجرد أنها صاغت بين جدران مغلقة مشروعا تعتقد أنه يقدم حلا للوضع الراهن. النخبة الناجحة ("البطلة" إن شئنا) هي تلك التي تتبنى مطالب تتلاءم مع حاجات شعبها في المرحلة التاريخية المناسبة. نعم هناك مطبخ في سيرورة التاريخ: حيث يجب إنتظار هذا المطلب أو ذاك أن "يطيب" و إلا فسنحرقه قبل أوانه. أو حتى ننهي بمسحة خفيفة و نبقى ضمن الاستعارات المطبخية التي أوردها أزواو، من الضروري أن يركب "الكسكاس" فوق "البرمة"، لكن من غير الممكن للـ"برمة" أن تختار الحجم أو الشكل الذي تريد بمعزل عن إمكانيات "الكسكاس،" و إلا فلتبحث لها عن "كسكاس" آخر لتركبه عليها.
(يتبع الجزء الثاني)
[1] " و كلام المتدخلين على هالموضوع في رأيه ما هوش أكثر جدية من الحديث على على ماتش كورة و الا فرجة على هيفاء و هبي.... و ما يتجاوزش مستوى رويق متاع حديث قهاوي شعارات طفولية... ياخي هالفضاء التدويني عيب كيف يبدا الحديث فيه حديث قهاوي؟ و الا انحبو نرجعوه مدرج مرحلة ثالثة متاع كلية العلوم السياسية و اللي ما عندوش أقل من دكتوراه ما عليه كان يسمع و هو ساكت؟... بحيث من المقدمة يضرب طارق الكحلاوي بجرة قلم على النقاش الداير حول موضوع العلمانية مابين المدونات التونسية... اللي ما يراش فيها أراء محترمة بالنعوت اللي بدا بيهم كلامه.
[2] " النقاش حول العلمانية يبدو مثل نزلة البرد الموسمية، يأتي ثم يذهب بشكل مفاجئ و محفوف بالحماسة و العواطف الجياشة و لكن أيضا بكثير من الشعارات التافهة، و ليس ذلك إلا مظهرا آخر من السطحية الفكرية السائدة التي تتعامل مع مسائل مصيرية نظير تعاملها مع أي القنوات الفضائية الغنائية علينا أن نشاهد أو ما إذا كان يجب أن نعين مدربا تونسيا أو أجنبيا لقيادة منتخب الكرة... أي تعاملا ينصاع لمقتضيات الموضة و التظاهر بالمعاصرة و حديث المقاهي. في الحقيقة ليس لدي في هذه الأيام تحديدا الوقت للرجوع للنقاش بالشكل المطلوب. لكن سأعرض أولا عددا من النقاط المرتجلة ثم أقدم مقتطفات مقال كنت بصدد تحضيره و لم يكتمل بعد في اتجاه الدفع نحو نقاش أكثر مدعاة للاهتمام من التبادل المعتاد لشعارات طفولية..."
[3] " بعد ما قرينا و تمعنّا يقول القايل علاش إنسان مواطن عادي و الا مثقف متدين تحبّوه ينادي بالعلمانية؟ نحب نلقى جواب شافي لها التساؤل. في وقت اللي هالمواطن الشعبي عنده مسائل كبيرة متاع غلاء المعيشة و ممارسة مواطنة اللي هي أكثر حياتية و ما هوش قادر أو ما عندوش استعداد باش يحكي عليهم، تحبّوه يطالب بالعلمانية كيفاش جات هاذي؟ باش توللي العلمانية عندها شرعية تاريخية؟؟؟ بحيث من وجهة نظر المقال أنها هالأقلية متاع الناس اللادينيين و اللا أدريين ما ينجموش تكون عندهم مصداقية كيف يتحدثوا و الا يثيرو مسألة العلمانية، لأنه حديثهم هو من نوع "إذا نصحك الجربي راهي شطر النصيحة ليه " و هاذم المطلب متاعهم مطلب فردي و ما هوش مجتمعي، يطالبو لارواحهم في التمتع بحق الأقلية الرافضة للهيمنة الدينية السايدة في المجتمع و يحبو يسلكو اريوسهم ما يهمهمش في بقية المجتمع و يتصرفو كلاديننين باش يدافعو على حق "مصيري" هو: أنه يحللولهم الريسطورانات باش يفطرو في رمضان قدّام الخاص و العام؟؟؟؟؟"
[4] " لماذا يهيمن على الخطاب العلماني التونسي شخوص منتمية لتيارات "لادينية" و "لا أدرية"؟ (بالمناسبة هناك طبعا مجموعة قليلة من المفكرين المتدينين المعروفين بوصفهم علمانيين مثل عبد الوهاب المسيري لكن "علمانية" هؤلاء شددية الاعتدال و لا يقع رفعها بوصفها "حلا فوريا و نهائيا".. أنظر مثلا هذا الحوار الأخير في مجلة الآداب مع المسيري).. إذا كيف يمكن لنا أن نفسر ذلك؟ أعتقد أن الإجابة الأكثر إحتمالا أن المطلب العلماني لهؤلاء يندرج ضمن مقتضيات رفض هيمنة الشعور الديني على المجتمعات التي يعيشون ضمنها... لكن ألا يعني أن هذا المطلب يندرج في نهاية الأمر ضمن حاجات الخلاص الفردي لمجموعة غير سائدة؟ طبعا يجيب البعض بأن ذلك تحديدا هو "جوهر العلمانية" أي ضمان حقوق الأقلية مثلا في ممارسة حقوقها اللادينية (و هو ما يعني عمليا مطالب مصيرية في مستوى مثلا فتح المطاعم في رمضان لضمان حق الإجهار بالإفطار)..."
[5] " هو في الواقع سي طارق كان ينجم يتوصل للاستنتاج هذا من غير ما يبني البنية هاذي بكلها لأنه البرهنة على أن المطلب العلماني ما هوش وارد عندنا كمطلب شعبي ما هوش في حاجة للاستدلال بحاجة هالحفنة من اللادينيين باش يفطرو في رمضان قدّام الخاص و العام. يامَّا يظهر اللي زيادة التحقير و التقزيم في المطلب العلماني و في الناس اللي يحملوه و تلخيصه في مسألة الفطران يقوي –من وجهة نظر سي الكحلاوي – في البرهان على ما يبدو."
[6] مجرد تعليق مختصر على نقطة هامشية. يقول أزواو بما معناه أن بورقيبة كان سباقا على اللادينيين الراهنين في المجاهرة بالإفطار ليستنتج: "لذا حشر موضوع رمضان و الفطـّارة في الحديث على العلمانية جاي في التسلل و ما ينجمش يكون عنده قوة برهان للاستدلال بيه في الجدل هذا." هنا مجرد ملاحظة منهجية: لو فرضنا (و كما قلت ذلك غير صحيح) أني أوردت موضوع الإجهار بالإفطار بوصفه "حجة" أو "برهان" مركزي في هذا الجدال فإن ذلك لا يسقط الفكرة التي أشرت إليها لمجرد أن بورقيبة كان سباقا. إن أسبقية بورقيبة في فترة محددة في هذا الموضوع، و التي انقطعت بعد فشلها و رفضها حتى من قيادات و قواعد حزبية، ليس لها دخل في ظرفيته الآن كمطلب جزئي ضمن حزمة من المطالب العلمانية من قبل الأقلية اللادينية. فذلك المطلب (سواء سبق إليه بورقيبة أم لا) مثل غيره من المطالب الأساسية التي يدافع عنها العلمانيون التونسيون لا يغير في حقيقة أن رؤية هؤلاء تم صياغتها في إطار معاداة الفكر الديني، أي أننا بصدد علمانيين من نوع "لاديني." و هذه هي الظاهرة التي، يجب أن أؤكد مرة أخرى، تستحق الدرس، و هي ليست شتيمة أو تحقيرا في ذاتها.
[7] " و لوكان اكتفى بالتوصّل للاستنتاج هذا:" : ألا تصبح العلمانية، مثلما حدث في التجارب التاريخية السابقة، مطلبا تاريخيا ممكنا فقط عندما تصبح مطلبا شعبيا ضمن حزمة من المطالب السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، و هو الأمر، إذا تحلينا بالنزاهة عند تقييم الواقع الراهن، غير القائم الآن؟" ندخلو النقاش طول بأكثر أريحية من غير محاكمة نواي مسبقة و نقولو وقتها أنه كل المطالب اللي العديد من الشباب المدون اليوم – و هذا على سبيل المثال- يحملها و يدافع عليها كيف: حرية التعبير و الديمقراطية و حرية الرأي، و الاختلاف، و الدفاع على مكاسب المرأة، و الحق في الاختلاف الجنسي( الشباب القاي و اللسبيان) و و و غيرها هي كذلك ما هياش مطالب شعبية و الا مجتمعية أشبيها ما قامش عليها الجدل و اشبيها ما وقعش مهاجمتها و نفنيدها نظريا كيف ما هو الحال مع العلمانية؟؟؟؟... "
[8] " و كيف انتبعو هالتمشي الفكري يصبح المطلب الديمقراطي و التعددية السياسية و التناوب على السلطة و الدفاع عن حقوق الإنسان و الحريات الفردية و رفض التعذيب و ما إلى ذلك من المطاب اللي تنادي بيها عديد جمعيات المجتمع المدني و الأحزاب السياسية ما عندها حتى شرعية تاريخية لأنها ماهياش مبلورة كمطلب مجتمعي و شعبي و ما يلزمنا نثيروها إلا كيف "يجي نصر الله و الفتح " ويهبطو العشرة ملاين توانسة و الا الثلاثميات مليون عرب مطالبين بيها أفواجا أفواجا باش ندخلو في المطالبة."
[9] " و كذلك التعميم الوارد في الجملة:" مثلما حدث في التجارب السابقة" ما ينجمش يكون صحيح لانه حتى في حركات التحرر الوطني كانت البدايات على يدين أقلية قليلة من النخبة اللي حملت أفكار و برامج اللي دامت سنوات باش تم حولها الإجماع الشعبي و أصبح عندها مشروعية تاريخية. "
[10] " و موش ديمة المطالب الشعبية العفوية تحمل وضوح هدف و استشراف مستقبلي يخليها عندها الدوام و البقاء. و ماذا من انتفاضات شعبية حلّت الباب للردة و التقهقر و في عوض تجيب الشيء الإيجابي جابت عكسه. و هو من وقتاش كان للمطالب المجتمعية و الشعبية القوة الكافية في بلداننا باش تنزل على عجلة التاريخ و تتقدم بيها لقدّام؟ و الا على هاك الجملة التاريخية المحنونة : نرجعوا كيف ما كنـَّا""
[11] " لكن نأتي الآن للسؤال الأكثر أهمية: هل يكفي ذلك لكي تكون العلمانية مطلبا ملحا في اللحظة التاريخية الراهنة؟... في نهاية الأمر: ألا تصبح العلمانية، مثلما حدث في التجارب التاريخية السابقة، مطلبا تاريخيا ممكنا فقط عندما تصبح مطلبا شعبيا ضمن حزمة من المطالب السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، و هو الأمر، إذا تحلينا بالنزاهة عند تقييم الواقع الراهن، غير القائم الآن؟"
[12] " التمشي الفكري يلغي للنخب دورها السبّاق و المستكشف بالنسبة للمجتمع بحكم ما تبلوره من أفكار جديدة تنفذ بالشوية بالشوية للمجتمع. وهكـّا هالتمشي يقلب البرمة على الكسكاس بحيث توللي النخب هي الفاقونة و المجتمع هو القاطرة على عكس ما صار في تاريخ البشرية الكل من قديم الزمان. و الا على خاطر هالنخبة اللي تنادي بالعلمانية جات من فية اللادينين و اللاادريين نقولولهم : استنـّاو شوية مطلبكم ما زال ما طابش و ما وصلش باش يوللي مطلب شعبي و مجتمعي؟؟؟"
0 التعليقات:
إرسال تعليق