الاثنين، جوان 22، 2009

تقييم للوضع في إيران: تقرير إيلاف... و مقال عن حدود سلطة المرشد

الوضع في غاية التعقيد في إيران... منذ المقال الماضي (هنا) أكدت على أن الاجواء تغيرت و أن المرشد لا يمكن أن ينأى بنفسه عن الاجواء الجديدة...
لكن لم أعتقد أن الاجواء تغيرت إلى الحد الذي ولدت فيه حاجة لجموع مؤلفة من الايرانيين لمساءلة عبر الشارع و بمثابرة لبعض أساسيات النظام (و ليس النظام كله بعد)... عموما هناك ردود فعل حدية حتى في الشارع العربي (و من ثمة في فايسبوك) إما مع نجاد و تسفه بشكل كامل ما يجري على أنه خيانة و موالاة للغرب و إما مع موسوي و تشوه بشكل مطلق نجاد و خامنئي من ورائه و تقبل بدون مساءلة تهمة التزوير...

فيما كتبته خلال هذا الأسبوع اردت أن أشير إلى أن تعقيد الوضع الايراني يحتم علينا النأي عن الردود الحدية المتأثرة بالرغبة في التبرير السياسوي و ليس التحليل السياسي... إذ قبل تقديم رأي سياسي فيما يجري يجب حصر مجمل المعطيات القائمة و هذا ما لا أراه حقيقة في التقييمات السائدة... إذ قليلة هي التحليلات التي لا تمارس الانتقائية في معلوماتها... هناك أمر آخر في علاقتنا كتونسيين بما يجري... إذ من الطبيعي أن نتمنى ديناميكية سياسية و حيوية بالمستوى الإيراني و من الطبيعي أن نرى دعم إيران بعين إيجابية لفصائل مقاومة يتعاطف معها الوسط الشعبي التونسي و من الطبيعي في نفس الوقت أن هناك ريبة كبيرة للدور و الموقف المذهبيين الذين لعبتهما إيران في العراق... لكن كل تلك الدواعي السياسية لا يجب أن تمنعنا من محاولة رؤية ما هو قائم و موجود كما هو

هذا الأسبوع كتبت مجموعة من الملاحظات التي يجب أن أنقلها هنا بشكل جامع بما أنها مرتبطة ببعض... أولا ردا على أسئلة الصديق الصحفي اسماعيل دبارة في تقرير كتبه على موقع إيلاف استقصى فيه أيضا آراء الأخ عدنان منصر

الرابط

أنقل هنا الفقرات المنقولة عني في تقرير إيلاف

//
البداية كانت بسؤال حول افتراض أنّ قائد الاحتجاج "موسوي" أقرّ بهزيمته بسبب إعادة فرز النتائج أو بتدخّل من المرشد الأعلى للثورة ، وما يمكن أن يعنيه ذلك من خيبة أمل لدعاة الإصلاح في إيران وربما نهاية الحياة السياسية لوجوه إصلاحية بارزة.



الدكتور طارق الكحلاوي لا يعتقد مع هذا الافتراض أنه يمكن أن تنتهي الحياة السياسية لوجوه إصلاحية بارزة تحت أي ظرف إلا إذا تم إسقاط النظام برمته. إذ إنّ الصراع الراهن يحتوي على مفارقة أساسية فهو - من جهة أولى- تعبير عن أزمة هيكلية في النظام السياسي الإيراني بما في ذلك (و لكن ليس فقط) الصراع بين الهيئات المنتخبة و الهيئات غير المنتخبة، و من جهة ثانية هو ممكن فقط لأنه صراع بين أعمدة النظام ذاته. فالسيرة السياسية و الفكرية لمير حسين موسوي مثلا مثيرة للانتباه في هذا السياق. فهنا نحن بصدد أحد الممثلين البارزين للتيار الراديكالي الثوري الذي أتى للسلطة بعد إزاحة كل التيارات التي لم يستوعبها الإمام الخميني تحت عباءته في بداية الثمانينات. و طريق موسوي إلى التيار الإصلاحي كان متعثرا إذ إنّ مساندته القوية لخاتمي سنة 1997 لم تكن ناتجة في البداية من تلاقٍ فكري بل من تلاق سياسي إذ رغب "الراديكاليون" في المساهمة في توجيه ضربة انتقامية من "المحافظين" الذين أزاحوهم من السلطة بمجرد انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية. فقط فيما بعد غيّر "موسوي" آراءه بشكل حاسم و تبنى بشكل واضح أطروحات التيار "الإصلاحي". و ليست هذه مسيرة استثنائية لدى رموز "إصلاحية" كثيرة و بالتالي فإن هناك ما يكفي من الديناميكية في الصراعات التي تشق النظام الإيراني حتى يمكن لأي وجه سياسي أن يحافظ على موقعه بتعديل دوره في سياق متغيرات التوازنات التي تشق إيران.



ويرى الخبير الاستراتيجيّ الكحلاويّ أنه لدينا " أمثلة على وجوه "إصلاحية" بارزة حافظت على موقعها رغم الهزات الكبيرة و الرئيس خاتمي مثال بارز على ذلك حيث ساهم بشكل مؤثر في حملة موسوي رغم فشله الواضح في تحقيق وعوده خلال تجربته الرئاسية الطويلة. أمّا رفسنجاني بوصفه وجها متحركا "براغماتيا" فيقف تارة مع "المحافظين" و تارة مع "الاصلاحيين" مثلما يفعل الآن يعكس أيضا قدرته على الحفاظ على موقعه المؤسساتي المفصلي رغم أنه يعتبر حسب الكثيرين "رجلا مكروها" في الشارع الإيراني بسبب تهم "الفساد".

.....

وقال خامنئي إن "النزال الدائر في الشارع خطأ، وأريده ان ينتهي"، مشددا على انه لن يرضخ للشارع". خامنئي رحّب بفوز نجّاد قبل حتى أن يصادق "مجلس صيانة الدستور" على النتيجة ، ثم قدم تنازلا للإصلاحيين بدعوته لإعادة فرز الأصوات ،ومع هذا خرج مئات الآلاف في المدن الإيرانية للاحتجاج ما اعتبره بعض المتابعين ، بداية لتمرّد ما على السلطة المطلقة للمرشد.



يقول الكحلاوي:" نعم ملاحظة رئيسة لكنها لا تعبر عن واقع جديد أو مُستجد بالأزمة الراهنة. علينا أن نرجع إلى الظروف التي حفت باختيار خامنئي لموقع "المرشد الأعلى" حتى نفهم الهوة النسبية بين سلطته المعنوية و الاسمية و سلطته الدستورية. إذا قارنا دوره بدور الإمام الخميني فإن الأخير أيضا لم يكن دائما مسموعا. مثال بارز على ذلك، يهم الخميني و خامنئي في الوقت نفسه، هو التصادم الذي حصل بين الاثنين عندما كان خامنئي رئيس الجمهورية سنة 1988 و تجاهل تعليمات الخميني في سياق رفضه لقرارات "مجلس صيانة الدستور". لكن من دون شك فإنه رغم امتلاك خامنئي الصلاحيات الدستورية السابقة نفسها للخميني فإن "المرشد" الحالي كان منذ البداية جزءا من الصراع الذي يشق أجنحة النظام و ليس مصدر سلطة معنوية تحتويها جميعا في لحظات تفجر الصراع مثلما كان الخميني. فاختيار خامنئي كان نتيجة ظروف متسرعة إثر قرار الخميني سحب دعمه لآية الله منتظري قبيل وفاته بسبب نقده لممارسات النظام. خامنئي لم يكن من بين أهم القيادات الدينية إذ رغم حيازته لقب "آية الله" إلا أنه لم يكن مرجعا دينيا متميزا له أتباع مثلا بالمستوى نفسه لمراجع إيرانية أخرى. و بشكل عام يتفق الدارسون للوضع الإيراني أن اختيار خامنئي كان مؤسسا على سيرته السياسية و حتى يمكن للقيادات الدينية أن تمارس عليه الضغط متى أرادت بناء على موقعها الديني المتميز.
ويتابع طارق الكحلاوي :"هذا الوضع أدى إلى أن شخص "المرشد" كان أقل أهمية من موقع "المرشد". و لم يكن ذلك سرا خاصة بين أعمدة النظام. و في هذا السياق لم يكن خطا أحمر مثلا أن يترشح رموز في النظام ضد المرشحين الذين يدعمهم بشكل واضح "المرشد". و هكذا فإن انتخاب خاتمي سنة 1997 كان في سياق صراع مكشوف ضد المرشح المعروف لـ"المرشد" لانتخابات الرئاسة آنذاك علي أكبر ناطق نوري و تحديا له خاصة أن ماكينة هائلة من داخل النظام عملت في اتجاه إنجاح خاتمي. و السيناريو نفسه تكرر في الانتخابات اللاحقة. فقد أصبح "المرشد" الممثل الرئيس لأحد تيارات النظام أي "المحافظين" خاصة بعد مساهمته المباشرة في تشكيل تنظيمات سياسية تابعة لهؤلاء. بل إن حتى سلطته في هذا الإطار غير مطلقة إذ هناك صراع شق "المحافظين" في السنوات الأخيرة كان محوره مجابهة تأثير "المرشد" و على سبيل المثال فإن تيار "المؤتلفة" المحافظ يأتي تحديدا في هذا السياق.

........

ولأن كشفت أزمة الانتخابات الإيرانية الأخيرة عن تصدّع كبير داخل كلّ من النظام السياسي و المؤسسة الدينية على حدّ سواء ، فإنها كشفت أيضا عن بوادر التململ الشعبي من نظام الثورة الذي لمسه مراقبون من خلال نزول الشباب إلى الشارع ورفع شعارات يندد بعضها بالثورة الإسلامية ورموزها وما خلفته من أوضاع متأزمة كما يقول الشباب الإيراني اليافع.



ولا يعتقد طارق الكحلاوي أن ما يجري الآن "هو صراع بين النظام و هامشه أو ضد فئات قررت إسقاط النظام. ويقول :"ما يجري هو من دون شك مشابه لما حدث بحلول أوساط الثمانينات في القرن الماضي في "المعسكر الاشتراكي" عندما انقسمت نظم سياسية على نفسها و ظهرت نخب ترغب في التغيير و الحفاظ على النظام في الوقت ذاته. لكن من الصعب أيضا أن لا يؤدي هذا الصراع آجلا أم عاجلا في إهتراء أو ربما تفكك النظام ذاته بمعزل عن نوايا الأطراف "الإصلاحية". و من دون الوقوع في مقارنات مبالغ فيها أعتقد أن هناك سيناريوهين لا ثالث لهما بالنسبة إلى مستقبل نظام "الجمهورية الإسلامية". الأول السيناريو "السوفياتي" و الثاني السيناريو الصيني. و عموما يتمثل السيناريو الأول في وجود قيادة "غلاسنوست" تعجز عن تحقيق برامجها لتسقط تحت الضغط الشعبي و لتصعد قيادة من أوساط النظام القائم و لتتحول في خضم تحولات سريعة إلى مواقف "راديكالية" تسعى وفقها لإنهاء النظام ذاته. كان هذا السيناريو ممكنا نظريا مع نهاية العهدين الرئاسيين لخاتمي و فشل تحقيق برامجه "الانفتاحية" لكن تم إجهاض هذا السيناريو عندما استطاع "المحافظون" ليس الالتفاف على سلطات خاتمي فقط بل تفعيل الآلية الانتخابية و الخطط الاقتصادية والاجتماعية في اتجاه تثبيت دورهم الرئيس في السلطة من خلال تغيير الأولويات و التأقلم مع الوضع الجديد. و في الواقع يميل الوضع الإيراني في السنوات العشر الأخيرة و حتى هذه اللحظة إلى السيناريو الصيني و الذي يتمثل في العمل على الحفاظ على السلطة "الاستبدادية" لنخبة سياسية من خلال تركيز شعاراتها و برامجها على محور "التنمية الاقتصادية". اللافت في هذا السياق أن النخبة "المحافظة" هي أكثر من استفاد من مرحلة الانتفاح الاقتصادي خلال حكم خاتمي إذ نجحوا في تحقيق تشابك للمصالح مع نخبة رجال الأعمال الصاعدة مقابل إمساكهم بملف الدور الاجتماعي للدولة و التركيز عليه في سياق تصوير خصومهم "الإصلاحيين" كمصدر أساسي لـ"الفساد" في البلاد. و عموما أصبح مصطلح "التنمية" و "القائمون بالتنمية" مصطلحا مركزيا في الخطاب السياسي لـ"المحافظين". و هذا يتيح استيعابا لشرائح اجتماعية مختلفة و ربما متناقضة أحيانا لكنها تقدر على ضمان قاعدة انتخابية قوية و فعالة.



و لهذا لا أعتقد أن النبرة التحليلية للتقارير التي سادت وسائل إعلام غربية في الأيام الأخيرة مصيبة عندما تعبر عن تفاجئها بنسبة التصويت الكبيرة لأحمدي نجاد. و من دون الدخول في تفاصيل موضوع سيبقى معقدا مثل موضوع تزوير الانتخابات الإيرانية فإلى حد الآن لم يشر "الإصلاحيون" إلى اختلالات في سير الانتخابات يمكن أن تؤثر بشكل حاسم في النتيجة النهائية. و هو ما ينطبق على اختلالات مثل نقص أوراق التصويت أو عدم تمديد توقيت التصويت بعد التمديد الذي حصل أصلا و هو في حدود الثلاث ساعات.

.........

من جهة أخرى تذهب معظم التحليلات على أنّ الأزمة الحالية التي تعيشها جمهورية إيران الإسلامية ستنعكس بشكل أو بآخر على مستقبل علاقات هذا البلد مع الكتلة الغربية وجيرانه العرب والسعي الإيرانيّ المحموم للظفر بدور إقليميّ بارز يُحسّن شروط التفاوض مع الولايات المتحدة وحلفائها في سياق عدد من الملفات المفتوحة على رأسها الملف النووي و دور إيران في العراق وملف سجلّ إيران السيئ في مجال الحريات وحقوق الإنسان.



ويلفت الدكتور طارق الكحلاوي النظر إلى ما سماه "الحذر الرسمي للإدارة الأميركية من الاصطفاف بشكل واضح مع "الإصلاحيين" و الاكتفاء بتعليقات حول "الشكوك" في النتائج. يتم تبرير ذلك أحيانا، حسب أحد تصريحات الرئيس أوباما مثلا، بأنه "لا فرق بين الطرفين". لكن الحقيقة أن هذا التوجه يندرج ضمن الفلسفة العامة للإدارة الجديدة و التي تملي عليها مرجعيتها "الواقعية" أخذ مسافة على الأقل رسمية من تطورات أي ساحة سياسية داخلية حتى إذا كانت "معادية" و خاصة إذا كان هناك رغبة في إجراء مفاوضات شاملة معها مثلما هو حال الرؤية الأميركية للعلاقة مع إيران. ردة الفعل الحذرة هذه بالتحديد تشير إلى الجدية الكبيرة التي توليها الإدارة الأميركية لموضوع العلاقة مع إيران. إذ هي حريصة على عدم التعويل على أي متغيرات ليست مؤكدة و يمكن أن تزيد من العراقيل في حالة إجراء مفاوضات مع طهران. و يأتي ذلك مختلفا بشكل واضح مع ما يمكن أن تقوم به إدارة بفلسفة مختلفة مثل الإدارة النيومحافظة السابقة. لكن من غير الوارد أن لا تحاول الولايات المتحدة التدخل بأشكال عملية لدعم طرف ضد آخر. و قد بعثت وزارة الخارجية إشارة في هذا الاتجاه عندما بعثت رسالة على شبكة "تويتر" تحث فيها على ضمان تواصل قدوم رسائل "تويتر" التي يبعثها "الاصطلاحيون" ومناصروهم من الداخل الإيراني في ظل التعتيم الإعلامي الداخلي. و لكن من الواضح أيضا أن الطرف الإيراني متيقظ لذلك و هو ما يفسّر الرسالة العلنية التي أرسلها إلى الإدارة الأميركية عبر القناة الدبلوماسية السويسرية ضد "التدخل في الشؤون الداخلية لإيران".



و عموما من الصعب أن لا تستفيد الإدارة الأميركية في أي مفاوضات قادمة من الوضع الراهن خاصة أن أحد الملفات الأساسية التي دار حولها الصراع في الانتخابات الإيرانية و لايزال هو موضوع "صورة إيران" في العالم و مدى إضرار الرئيس نجاد بالموقع الدولي لإيران. إذ بشكل عام ستفضل الإدارة الأميركية التفاوض مع "مرشد" يقع تحت ضغوط داخلية تخص طبيعة العلاقة مع الغرب على أن تفاوض "مرشدا" قويا يحظى بالإجماع.

///

إنتهي النقل عن تقرير إيلاف

في نفس السياق كتبت في مقالي الاسبوعي في "العرب" القطرية مركزا على موضوع سلطة المرشد

الرابط

في حدود سلطة «المرشد»

طارق الكحلاوي

2009-06-21
أهم أسئلة الواقع السياسي المتأزم في إيران هو سؤال توازنات السلطة فيها، وبشكل خاص إلى أي مدى يملك «المرشد» علي خامنئي أوراق اللعبة السياسية ومن ورائه طبقة رجال الدين، إذ هناك توجه شائع يضعهم جميعا في سلة واحدة. لكن الوضع، كما هو دائما ولكن خاصة لأن الأمر يتعلق بوضع مثل الوضع الإيراني، أكثر تعقيدا من بعض التحليلات الشائعة.
تم تفصيل النظام الإيراني بإشراف مباشر من الإمام الخميني تحديدا لكي تتدخل النخبة الدينية خاصة في حالة وقوع أزمات مفصلية مثلما يمكن أن يحدث في سياق الوضع الراهن. لكن بالقدر الذي يعتمد هذا البناء على إيمان ضمني بتجانس رؤى هذه النخبة فإن الواقع لا يعكس بالضرورة ذلك. لا يمكن هنا أن نتوقف عند العموميات إذ الشبكة المؤسساتية التي يمارس عبرها رجال الدين الإيرانيون سلطتهم معقدة وليست بالتبسيط الذي يمكن أن يحيل على تجانسها وتشابهها في المطلق. بدءاً هناك نوعان من المؤسسات التي تقف في مفاصل رئيسية في السلطة والتي تم تشكيلها لتكون بدرجة أولى موقع ثقل حاسما للنخبة الدينية الإيرانية. هناك أولا المؤسسات غير المنتخبة من الشعب الإيراني بطريقة الاقتراع المباشر وهي ثلاث مؤسسات: أولا، مؤسسة «المرشد الأعلى» أو «الولي الفقيه» وهو المنصب الذي شغله آية الله الخميني ويشغله منذ وفاته سنة 1989 آية الله علي خامنئي. ثانيا «مجلس صيانة الدستور» برئاسة آية الله أحمد جنتي. وثالثا، مؤسسة «مجلس تشخيص مصلحة النظام» يرأسها هاشمي رفسنجاني والذي رغم أنه لا يتميز بموقع ديني متقدم فإنه تاريخيا وسياسيا محسوب على النخبة الدينية التي قادت الثورة. هذه المؤسسات غير المنتخبة متشابكة من حيث تركيبتها في حين يمكن لها أن تساهم بشكل حاسم في أي صراع على السلطة. فموقع «المرشد» تحتوي صلاحياته الإشراف على هيئات مالية وميزانيات حكومية خاصة بمؤسسات أمنية وعزل وتعيين أكبر المسؤولين في الدولة مثل قيادة القوات المسلحة والحرس الثوري ورئيس الإذاعة والتلفزيون ورئيس السلطة القضائية وأئمة المساجد، وحتى عزل هيئات منتخبة مثل رئيس الجمهورية ذاته. الهيئة التي تعين «المرشد» هي المؤسسة الاستشارية «مجلس تشخيص مصلحة النظام» والتي يعين معظم أعضائها «المرشد» ذاته. وهو الذي يعين معظم أعضاء «مجلس صيانة الدستور» وهو الهيئة التشريعية الأعلى في البلاد بما أن له حق الفيتو على مشاريع القوانين التي يصدرها البرلمان المنتخب (سبق له رفض حوالي نصف القوانين الصادرة عن البرلمان في العهدة الرئاسية الأولى لخاتمي). أي أنه مبدئياً هناك ثلاث مؤسسات يهيمن عليها رجال الدين تستمد شرعيتها بشكل متبادل وتمسك بالصلاحيات الأعلى للسلطة السياسية في البلاد وبالتالي قادرة دستوريا ونظريا حسم معظم الصراعات المؤسساتية في البلاد.
لكن من جهة أخرى هناك مؤسسة وحيدة رئيسية في السلطة خاصة برجال الدين تتشكل عبر الاقتراع المباشر وهي «مجلس خبراء القيادة» أو «مجلس الخبراء» وهي الهيئة الوحيدة التي يمكن أن يقرر فيها الشعب الإيراني شخوص رجال الدين الذين يمثلونه فيه (نظام انتخابي نسبي حسب عدد سكان كل محافظة). هذه مؤسسة حاسمة في صراعات السلطة بما أنها الوحيدة التي لديها صلاحية عزل «المرشد» ذاته. وبمعنى آخر فإن «مجلس الخبراء» هو الذي يمنح له الدستور الإيراني الصلاحية الأعلى في النظام السياسي. وبشكل عام فإن الصراع الذي يشق الساحة السياسية الإيرانية بين «محافظين» و «إصلاحيين» بمعزل عن دقة هذا التقسيم يشق أيضا الهيئات الأربع أعلاه. ورغم هيمنة المقربين من «المرشد» على «مجلس صيانة الدستور» و «مجلس تشخيص مصلحة النظام» إلا أن هناك رموزاً رئيسية في الصراع القائم الآن توجد في كليهما بما في ذلك -خاصة- هاشمي رفسنجاني الذي يساند بشكل علني ونشيط مير حسين موسوي. هذا إضافة إلى وجود عدد لا بأس به من المحسوبين على «الإصلاحيين» في «مجلس الخبراء» بما في ذلك رفسنجاني نفسه الذي يشغل خطة الرئيس في هذه المؤسسة. وهذا في ذاته يحيلنا على خاصية رئيسية للأزمة الراهنة وهي أنها ليست أزمة صراع بين النظام وهامشه بل هي أزمة صراع النظام مع ذاته والنخبة الدينية مع نفسها. ومن ثمة فإن تدخل رجال الدين لـ «حل الأزمة» هو من طبيعة وروح الدستور الإيراني غير أن ذلك لا يعني أنها ستتدخل بشكل منسجم. ولهذا بالتحديد فإن التدخل من أي طرف سيكون محسوبا في اتجاه عدم تعميق الأزمة وعدم تهديد وجود النظام ذاته خاصة أن الاحتجاجات الراهنة لا تستهدف حسب شعاراتها وشخوص قياداتها تقويض أسس «الجمهورية الإسلامية» بل تغيير بعض قواعد اللعبة ضمن أطرها التقليدية.
لكن النبرة التحليلية للتقارير التي سادت وسائل إعلام غربية في الأيام الأخيرة ليست مصيبة عندما تعبر عن تفاجُئِها بنسبة التصويت الكبيرة لأحمدي نجاد. وبدون الدخول في تفاصيل موضوع سيبقى معقدا مثل موضوع تزوير الانتخابات الإيرانية فإلى حد الآن لم يشر «الإصلاحيون» إلى اختلالات في سير الانتخابات يمكن أن تؤثر بشكل حاسم على النتيجة النهائية، وهو ما ينطبق على اختلالات مثل نقص أوراق التصويت أو عدم تمديد توقيت التصويت بعد التمديد الذي حصل أصلا وهو في حدود الثلاث ساعات. كما أن واحدا من الاستطلاعات غير المسيّسة النادرة والتي قام بها مركز استطلاعات أميركي (Terror Free Tomorrow) أشار قبل فترة قليلة من موعد الانتخاب إلى تفوق كبير لنجاد يصل حتى العشرين نقطة («الواشنطن بوست» 15 يونيو). هذا قبل المناظرات التلفزيونية والتي أشار الملاحظون إلى خروج نجاد منها بشكل أفضل من منافسيه خاصة بعد تركيزه على اتهامات «الفساد» لعرّاب التيار «الإصلاحي» الحالي أي رفسنجاني. ومثلما أشار بشكل صحيح فلينت ليفريت (Flynt Leverett)، الباحث في «مؤسسة أميركا الجديدة» (New America Foundation) المعروفة بتوجهها «الواقعي» والمقربة من الإدارة الحالية، فإن الحجج العامة التي تشير إلى «استحالة» خسارة موسوي ذي الأصل الأذري في محافظات أذرية تتجاهل الشعبية النسبية لنجاد في هذه المحافظات عندما كان يساهم في تسييرها كما أنها تتجاهل أن الداعم الرئيسي لنجاد أي «المرشد» هو أيضا من أصل أذري («بوليتيكو» 15 يونيو). ليفريت ذهب إلى حد التساؤل إذا كان «القائم بانقلاب» الآن هم الرافضون لنتائج الانتخابات وليس فريق «المحافظين». وهذه الخلفية «الواقعية» تحديداً وليس تقارير الشبكات الإخبارية الأميركية التي تمثل مصدر إلهام الإدارة الأميركية الراهنة والتي هي حذرة بشكل كبير حتى لا تصطف، بشكل علني على الأقل، إلى جانب «الإصلاحيين». ويبدو التقرير الذي أصدره ليفريت سنة 2006 عندما كان يعمل محللا في «الاستخبارات المركزية» والذي بقي في أرشيف «مجلس الأمن القومي» حول آفاق التفاوض مع إيران النص المثالي للإدارة الحالية وهو ما سنعود إليه في وقت لاحق.
لكن كل ذلك لا ينفي صدقية الاحتقان في بعض أوساط الشارع الإيراني وهي الأوساط التي خرجت في طهران والتي ليس من الصحيح بالمناسبة أنها تنتمي رئيسيا «لأوساط ثرية» كما يشير بعض المحللين المتعاطفين مع نجاد. إذ لا يمكن أن يوجد كل ذلك العدد من المئات المؤلفة من الإيرانيين في طهران من الأثرياء. وعموما من الصعب بالنسبة لأوساط «المحافظين» التأقلم مع هذا الضغط من أجل تغيير قواعد اللعبة السياسية من دون أن يذوبوا في نهاية الأمر الخصائص التي تشكل هويتهم. خاصة أن الوضع الاقتصادي الذي يشير إلى «بعض التحسن» (حسب التقديرات المستقبلية لـ «صندوق النقد الدولي» مثلاً) لا يشير في نهاية الأمر إلى نمو اقتصادي قياسي مثلما هو وضع «النموذج الصيني» الذي يرغب «المحافظون» في الاقتداء به. ومن الواضح أن التناقضات عميقة ولا يمكن أن تجاوزها عبر حلول توفيقية دائما.
بدت صورة الحضور في خطبة الجمعة الأخيرة خاصة غياب الرموز «الإصلاحية» عنها التعبير المركز على واقع قديم يتعلق بحدود سلطة «المرشد» ومن ورائه التيار «المحافظ» وتحوله إلى جزء من أطراف الصراع وليس موقع «الحكم» الذي افترضه الدستور. وذلك يعني أن قواعد اللعبة السياسية تغيرت أصلا والصراع الآن هو حول تقنين مستجداتها.

الاثنين، جوان 15، 2009

أسئلة إيرانية


مقال صدر في "العرب" القطرية الاحد 14 جوان 2009
الرابط

بالمناسبة المقال يتعرض الى وثيقة سبق نشرها سنة 2007 و تحدثت عنها في اكثر من مقال تمثل تصور "مرشد الثورة" لافاق التفاوض مع واشنطن

هذا رابط لاحد المقالات التي تحدثت فيها عن الموضوع


اسئلة ايرانية

طارق الكحلاوي

ما الذي يمكن أن تؤثر به نتائج الانتخابات الإيرانية من الناحية العملية على طبيعة العلاقات بين واشنطن وطهران؟
ذلك طبعا السؤال الأكثر تكرارا في سياق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والذي نجد حتى في صحيفة محلية في أي من جمهوريات الموز إجاباتٍ روتينية عليه، وعلى رأسها القول بأنه «ليس هناك تأثير محتمل بما أن ملف السياسة الخارجية بيد المرشد خامنئي بمعزل عن هوية الرئيس». حسنا لا يمكن التشكيك في القسم الثاني من المقولة الأخيرة، لكن السؤال الذي يستحق الانتباه حينها هو التالي: هل للسيد خامنئي مواقف ثابتة وجامدة لا تتأثر بالمتغيرات الميدانية؟ وهل يمكن بالتالي للأجواء التي أحاطت بالانتخابات الرئاسية أن تلعب دورا ضمن عوامل متشابكة أخرى في صناعة هذه المتغيرات ومن ثمة إمكان صناعة متغيرات موقف المرشد؟
لم تعلن بعد النتائج الرسمية للانتخابات (حتى إنهاء هذا المقال) لكن يتبين الآن بعد فرز معظم الصناديق أن الرئيس الإيراني المتخلي سيحصل على الأرجح على عهدة رئاسية ثانية. غير أنه مهما كانت النتيجة الرسمية والنهائية لهذه الانتخابات فقد وقع فيها ما لا يمكن نسيانه أو تجاهله. هناك كسور وخدوش كافية في وجوه المرشحين، بمن في ذلك -بل وخاصة- أحمدي نجاد، في علاقة بملف علاقات إيران بالعالم حتى يمكن للخريطة السياسية الإيرانية والخطاب الرسمي الإيراني أن يعودا إلى ما كانا عليه حتى السنوات الأخيرة. فحتى لو ربح أحمدي نجاد عهدة ثانية فإن لن يخرج بنفس الملامح التي كان عليها قبل الانتخابات.
قام المرشحون المنافسون لأحمدي نجاد بكل ما في وسعهم لمساءلة جدوى خطابه وأدائه. كان ملف السياسة الخارجية (وضمنيا ملف العلاقات الأميركية الإيرانية) يُطرح بشكل مستمر من زاوية «تشويه» الرئيس المتخلي لصورة إيران في العالم. وهنا كان الاستقطاب الذي خلقه هذا التقريع العلني وعلى الهواء مباشرة في القنوات التلفزيونية الإيرانية لافتا للانتباه في سياق حزمة مترابطة من الانتقادات «الإصلاحية» ترى أن تعطل الدبلوماسية الإيرانية يساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية المتصاعدة لإيران. يكفي أن يشاهد أيٌ كان -حتى ممن لا يعرف في أي بقعة من العالم تقع إيران- الجحافل «الخضراء» التي اجتاحت طهران دعما لموسوي والحمى التي رافقت نسب التصويت التي كانت ربما الأعلى في التاريخ الإيراني حتى يفهم أن هذا مجتمع يعرف استقطابات حادة.
وهنا يجب استذكار مغزى العملية الانتخابية بالنسبة للنظام الإيراني. دعنا أولا نسوق المصادرات العامة للمشهد المؤسساتي الإيراني: «الجمهورية الإسلامية» تتصرف كنظام لديه خطوط حُمر معلومة بالنسبة للتغيير السياسي على رأسها مرجعيتا الولاء لـ «الثورة الإسلامية» ولمبدأ ولاية الفقيه. وهذه خطوط حمر معلنة هندسها بشكل مؤسساتي «الثعلب» السياسي المحنك هاشمي رفسنجاني، وتراقب تنفيذها بشكل روتيني في كل موسم انتخابي مؤسسة «مجلس صيانة الدستور» المعينة من الفقيه/ «مرشد الثورة» نفسه. ولأن أعضاء «مجلس الصيانة» أقرب من تيار «المحافظين» فإن الخطوط الحمر تميل إلى الاتساع أكثر في سياق الحمى الانتخابية. لكن لماذا قرر النظام الإيراني قبلاً، مع الإمام الخميني، التأسيس لنظام انتخابي يشمل عدداً من المؤسسات التشريعية والتنفيذية الرئيسية إذا كان الدستور يؤسس لنظام سياسي أبدي يلفظ آلياً التغيير السياسي؟ أثبت الإيرانيون ما يكفي من الحنكة (ولنقل بدون مواربة، الميكيافلية) حتى يمكن لنا أن نقول بثقة -وهنا لا نذيع سرا على كل حال- أن العملية الانتخابية و «التحزب على أساس الانتماء للثورة» يجدد أنفاس النظام ويتيح تواصل علاقة تفاعلية مع مجتمع لا يرغب سائسوه في أن يؤسس لمجالات فعل تُسائل بديهياته. لكن هناك دائما ضريبة لمغامرات من هذا النوع، وأهمها، مثلما تبين من الأجواء التي صعدت بخاتمي وتياره إلى سدة الرئاسة، أن هامش النقد والحرية يفاقم الاحتقان والوعي بحدود النظام الإيراني خاصة عندما تجد البدائل «الإصلاحية» المنبعثة من داخل النظام نفسها في الطريق المسدود المتوقع، أي فيتو «مرشد الثورة».
الأجواء الانتخابية التي سادت الأسابيع الماضية كشفت حدة الاستقطاب والتململ بين الإيرانيين من الأداء السياسي للمؤسسة الإيرانية المشرفة على ملف السياسة الخارجية، والأهم منذ ذلك قامت بتطبيع انتقاد هذا الأداء على أنه «تشويه» لصورة إيران في العالم. بالنسبة لخامنئي وبالنسبة لمنطق ومغزى العملية الانتخابية، فإنه بمعزل عن الرابح فإن الخاسر هو المشرف على السياسة الخارجية الإيرانية، والرجل لم يعتد إدارة ظهره للمتغيرات الميدانية. فمثلما نعرف الآن فإن المبادرة بفتح حوار شامل مع واشنطن أتت إحدى المرات من «مرشد الثورة» بعد أسابيع قليلة من احتلال القوات الأميركية بغداد («وثيقة 4 مايو 2003» التي تحدثت عنها في مقالات سابقة والتي تم الكشف عنها في الصحف الأميركية في فبراير 2007). فمع المتغير الميداني الآخر المتمثل في «حملة العلاقات العامة» للرئيس أوباما في المنطقة فإنه من غير الصعب أن يرى «مرشد الثورة» ضرورة تغيير الأسلوب وطريقة تسويق السياسة الإيرانية في المنطقة.
تغييرات المرشد ستكون على الأغلب على مستوى الهيئة والصورة. ربما نرى حضوراً أكبر لخطاب سيزايد على الإدارة الأميركية في الرغبة في «الاحترام المتبادل» و «تعايش الإسلام مع الغرب»، ربما يمنح أشخاصا أقل استعداءً مثل خاتمي أدواراً للدبلوماسية العامة في المنطقة في ذات السياق الأميركي. لكن من دون شك فإن خلف هذا الستار المخملي ستنطلق أخيرا المفاوضات الشاملة بين واشنطن وطهران. من غير المعروف إن كان خامنئي سيعيد طرح الوثيقة التي مررها عبر السفير السويسري في طهران في مايو 2003 كأساس للرؤية الإيرانية لأي «صفقة» ممكنة مع واشنطن، إذ منذ ذلك الوقت حققت إيران بعض النقاط المطروحة في الوثيقة، خاصة النفوذ الإيراني في العراق، بدون تقديم تنازلات مقابلة. كما أن مقترح المرشد الخاص بـ «مؤتمر للسلام» على قاعدة القرارات الأممية يبدو خارج أي محادثات ممكنة في سياق الرفض الإسرائيلي لـ «حل الدولتين». أما ما وقع تسميته بـ «المصالح الأمنية الإيرانية» في المنطقة (خارج العراق)، أي في مواقع تواجد التكتلات الشيعية أو الأقاليم التي يمكن أن تشهد احتكاكا بين إيران وبقية الدول (دول الخليج، لبنان، القرن الإفريقي والبحر الأحمر..) فلا يمكن التكهن من الآن بمدى الاستعداد الأميركي لمناقشتها.
في المقابل تبدو الإدارة الأميركية بصدد التهيئة لجوهر مبادرتها للقيادة الإيرانية، وربما أبرز ملامح المبادرة ستكون في سياق مبادرة خاصة بنزع الأسلحة النووية في المنطقة (في إطار إعلان أوباما عن مبادرة دولية لنزع الأسلحة النووية). ومن المعروف أن إدارة أوباما بدأت مباحثات خافتة ومباشرة مع الإيرانيين حتى قبل تقلد أوباما بشكل رسمي مقاليد الرئاسة، إذ رعت «مجموعة بغواش» (Pugwash Group) سلسلة من اللقاءات بين مستشارين ومقربين من أوباما مع مسؤولين إيرانيين مختصين في الملف النووي في عدد من العواصم الأوروبية في أواخر سنة 2008. ومن غير المستبعد أن يتم طرح موضوع الترسانة النووية الإسرائيلية على طاولة البحث كمحفز على إرغام إيران على الخضوع إلى مظلة نووية أمنية أميركية للمنطقة. إذ إن أبرز مستشاري أوباما في هذا الملف، وبالتحديد مساعدة وزير الخارجية رووز غوتمولر (Rose Gottemoeller)، دعت بشكل علني في اجتماع أممي في بداية شهر مايو إسرائيل للانضمام إلى الاتفاقية الدولية لنزع الأسلحة النووية. كما أن أحد مراكز البحث غير الحكومية المقربة من إدارة أوباما «المجلس من أجل عالم يمكن العيش فيه» (Council for a Livable World) والمتخصص في موضوع الأسلحة النووية لديه موقف مثير للاهتمام من إيران من جهة تركيزه على أولوية العلاقة الأميركية الإيرانية، وتحديدا أن «إيران لا تشكل خطرا مهددا بالنسبة للولايات المتحدة»، وهو موقف لا يربط «الخطر الإيراني» بتهديده للوجود الإسرائيلي كما يمكن أن يفعل آخرون، بما يعني تركيز الجانب الأميركي على ضمان التوصل لإنتاجية نووية سلمية تحت إشراف دولي.
عموماً فإن سؤال علاقة الانتخابات الإيرانية بالعلاقات مع واشنطن أكثر تعقيداً مما يبدو من الوهلة الأولى، إذ إن أجواءها (وليس شخوص رابحيها وخاسريها) تقوم عملياً بالتهيئة للأجواء المتعلقة بالتفاوض بين الجانبين، أجواء «التغيير». غير أن كل ذلك، طبعاً، لا يعني أن هذه المفاوضات ستسير في خط مستقيم.

الاثنين، جوان 08، 2009

الخطاب

مقال صدر في "العرب" القطرية بتاريخ 7 جوان 2009

الرابط


الخطاب

طارق الكحلاوي

أصبح من قبيل الكليشيهات الآن الحديث عن دور القارئ في إعادة صناعة النص. النظرية النقدية المعروفة باسم «رد فعل القارئ» التي تطورت بسرعة في الأوساط الأكاديمية الأنغلوسكسونية في ستينيات القرن الماضي من قبل جامعيين مثل الأميركي ستانلي فيش فرضت على الواقع الراهن لنقد النصوص عامل القارئ وتأثيره على التلقي النهائي للنص بمعزل عن محتوى ذلك النص. لكن من البيّن أيضاً أن النصوص بما هي تركيبة قائمة الذات أو «واقع موضوعي» قائم بذاته في ظل ظرفه التاريخي العام يمهد لتضارب ردود فعل لقرائه. خطاب أوباما الأخير في جامعة القاهرة أو «الرسالة إلى العالم الإسلامي» يتيح بشكل خاص الأسس التي تجعل قارئيه / مستمعيه يصنعون منه أكثر من خطاب وأكثر من نص.
ربما ما زلنا نحتاج إلى الأرقام التي تعكس بدقة عدد الذين اهتموا فعلاً بالاستماع إلى «خطاب القاهرة». لكن ردود الفعل المتباينة على الخطاب في الشارع العربي تحيل على حزمة من التباينات لا تنبع فقط من تباينات توقعات القراء والمستمعين للخطاب بل أيضا تباينات محتواه. ورغم كل التباينات لا يمكن تجاهل ما يبدو أنها «بديهيات» الخطاب أو المعطيات التي لا أعتقد أنها يجب أن تفاجئ أحدا والتي من بينها:
أولاً، ومثلما أشرت سابقاً «الخطاب» ليس إلا حلقة جديدة لخطابات سابقة و»الرسالة» إذاً هي مجموعة من الرسالات بدأت منذ لحظة تسلمه مقاليد السلطة وتواصلت عبر خطب، وعبر إشارات رمزية أيضا. بدأ أوباما بالتوجه إلى المستمع والمتفرج المسلم بشكل مبكر منذ توليه مهام منصبه في يناير الماضي، وذلك عبر حوار تليفزيوني ركز فيه لأول مرة على أصوله العائلية الإسلامية وهو ما كان مادة لتعليق الإعلام الأميركي (سلباً وإيجاباً) لبعض الوقت آنذاك، ثم قام بزيارة تركيا التي كانت حلقة من حلقات حملة العلاقات العامة هذه والتي يقوم بها شخصيا وليس من قبل موظف بيروقراطي في وزارة الخارجية مثلما حصل في السنوات الماضية. وكذلك يبرز التشديد الإعلامي المصري على أهمية الخطاب تحديداً من حيث هو «خطاب القاهرة» بل من حيث هو أيضاً «تركيز على الدور المصري الريادي» في المنطقة جزءاً من الخطاب ذاته، برغم أن هناك ما يكفي من المؤشرات الموضوعية إلى أن الدور المصري المأمول أميركياً هو رافد للدور التركي الذي يحظى بثقة أكبر نظراً لثقله الاستراتيجي والعسكري الأقرب لمنظومة الحلفاء الأميركيين.
ثانيا، ترددت بشكل واسع، حتى في الإعلام الأميركي وليس العربي فحسب، مقولة الهوة بين المبادئ العامة المعلنة وتفاصيل السياسة التنفيذية في «خطاب القاهرة». في الموضوع الأكثر حساسية وثقلا أي الصراع العربي- الإسرائيلي قدم الرئيس الأميركي الجمل المعتادة المحيلة على ضرورة أن يقدم الطرفان «تنازلات صعبة» في سياق «حل الدولتين». لكن لم يقدم مثل سلفه إطارا زمنيا لذلك كما لم يبادر إلى طرح أي مرجعية واضحة بما في ذلك القرارات الأممية لتأطير «حل الدولتين».
ثالثا، وهذه نقطة ترددت بشكل خاص من قبل المستمع العربي، برغم إعلان الخطاب وتأكيده على الرغبة في التصرف بشكل متوازن بين الطرفين الأميركي والمسلم/ العربي أو الإسرائيلي والعربي/الفلسطيني فإن الخطاب لم يمثل قطيعة عن المصادرات الكبرى في خصوص طبيعة الصراع في المنطقة، إن لم يكن بإبرازها بوضوح بل من خلال الصمت. لم يتم إبراز المآسي المنجرّة عن احتلال العراق مقابل التركيز على المآسي المنجرّة عن عملية 11 سبتمبر. وكذلك التأكيد على «معاناة الفلسطينيين» وضرورة أن يقوم الإسرائيليون بـ «ضمان أمن الفلسطينيين» وأن «توقف حماس العنف» (تجنب هنا استعمال لفظ «الإرهاب») صمت في نهاية الأمر عن وضع تحديد أصل الصراع بما هو الاحتلال. كما أنه صمت مثلاً عن الأوضاع الراهنة، فالحديث عن «معاناة الفلسطينيين» تم في سياق الصمت على وضع الحصار القائم في غزة.
في مقابل هذه «البديهيات» يجب النظر إلى ما بدا أنه المصدر الرئيسي لترحيب بعض القراء والمستمعين الذين أشادوا بالخطاب أي معظم المعطيات المتعلقة بالنظر إلى الإسلام شكلاً ومضموناً. فرغم أنها تقارب ربما النصوص المدرسية المبسطة فإن الفقرة التالية من الخطاب أساسية بما هي تعبير عن موقف مهم على خلفية الرؤى المتباينة في واشنطن إزاء الإسلام: «الحضارة مدينة للإسلام الذي حمل معه في أماكن مثل جامعة الأزهر نور العلم عبر قرون عدة الأمر الذي مهد الطريق أمام النهضة الأوروبية وعصر التنوير.. وأظهر الإسلام على مدى التاريخ قلباً وقالباً الفرص الكامنة في التسامح الديني والمساواة ما بين الأعراق».
وهنا لا يمكن النظر إلى خطاب من هذا النوع على أنه «مجرد أقوال». إذ إن موقف أوباما هو بمستوى الفعل بما هو يعبر عن موقف في سياق صراع حقيقي قائم على قدم وساق ضد الرؤى الإسلاموفوبية المتضمنة في الخطاب النيومحافظ الذي ساد واشنطن خلال السنوات الماضية بما في ذلك عبر أقلام ومنابر تصدر أحكامها التعميمية حول الإسلام والمسلمين بما هم مصدر حتمي لكل تخلف وإرهاب وهو ما تم تلخيصه في المصطلح المثير للجدال «الإسلاموفاشية». وكانت آخر تمظهرات هذه الرؤى بين بعض قطاعات «الاستبلشمانت» في واشنطن استدعاء بعض النواب الجمهوريين والاحتفاء في أروقة الكونغرس بوجه إسلاموفوبي بارز مثل السياسي الهولندي غيرت فيلدرز. وهذا الموقف كان أكثر وضوحاً في الجملة التالية: «وأرى في ذلك جزءا من مسؤوليتي كرئيس للولايات المتحدة حتى أتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت». كما أن الرغبة في مخاطبة المسلمين من أكثر من عاصمة ومنبر بخطاب «إيجابي» من هذا النوع واقع خطابي ضمن هذا الصراع.
موقف أوباما الذي يدافع بشكل واضح عن مبادئ علمانية أساسية مثل «حرية العقيدة» لم يسعَ لجعلها في علاقة تضاد حتمية مع المنظومة الإسلامية خاصة عندما ركز على وجود واقع التعايش الديني في سياقات إسلامية مثلما شهد هو نفسه في طفولته في إندونيسيا، وهو الأمر الذي يبدو أيضاً متضمناً في تركيزه، بشكل متباين عن الخطاب الأميركي السياسي الكلاسيكي، على المكون المسيحي في «معاناة الفلسطينيين» إلى جانب الغالبية المسلمة. كما لم يسع إلى جعلها نقطة خلافية بقدر ما حاول جعلها ركيزة لنبذ الخلاف الطائفي خاصة السني-الشيعي.
في الواقع يمثل خطاب أوباما في هذا الشأن تركيزا على نسق عام للتجربة العلمانية الأميركية والتي بنيت على أساس احتواء الشعور الديني عوض تهميشه، إذ كان معظم «الآباء المؤسسين» متدينين بما في ذلك كاتب وثيقة الاستقلال وأكثرهم علمانية توماس جيفرسون وتم طرح تمييز الوظيفة السياسية عن الدينية على أسس دينية أحياناً. ومن هذا المنظور تأتي الفقرات المتعلقة بالنقد الضمني في «خطاب القاهرة» الموجه للتجربة العلمانية الفرنسية تجاه جاليتها المسلمة خاصة في علاقة بقضية الحجاب: «من المهم بالنسبة إلى الدول الغربية أن تتفادى منع المواطنين المسلمين من ممارسة ديانتهم كما يشاؤون، مثلا عبر فرض الثياب التي على المرأة ارتداؤها»، وكذلك: «ينبغي عدم إخفاء العداء حيال ديانة معينة تحت ستار ادعاء الليبرالية». وليس هذا الموقف منفصلا عن تجند الأوساط الحقوقية الأميركية بما في ذلك المقربة من وزارة الخارجية الأميركية منذ سنوات في الوقوف ضد القانون الفرنسي المتعلق بمنع الحجاب في المؤسسات العامة.
ما يستحق الاهتمام في خطاب أوباما ليس «البديهيات» المذكورة أعلاه فحسب بل أيضا الكلام المعادي لخطاب الكراهية التعميمي ضد الإسلام والمسلمين والذي هو بمستوى الفعل في سياق الصراع الدائر في واشنطن وخارجها. طبعا هناك جدال عن سبب هذا الموقف المعادي للإسلامفوفوبيا وتشكيك من قبل البعض في صدقيته ومدى ارتباطه بالصراع في المنطقة خاصة تراجع النفوذ الأميركي إثر احتلال العراق. لكن كل تلك الأسئلة تتجاهل في نهاية الأمر الأثر الواقعي لهذا الخطاب والذي يفعل فعله بمعزل عن أسبابه. يكفي ملاحظة رد الفعل الأوساط الإسلاموفوبية التي واصلت الحديث عن «استسلام» أوباما و»تمسحه» غير الضروري للمسلمين حتى نفهم واقعية هذا الصراع.
وتلك، على الأقل، قراءة كاتب هذا المقال لـ «خطاب القاهرة».

السبت، جوان 06، 2009

من هو الاسلاموفوبي؟!

مش سر أني شخصيا (كيف مدونين أخرين) نقصتلهم النفحة متاع التدوين و بشكل خاص من الشبكة التفاعلية/الفوروم التدويني إلي نسميوه "تن-بلوغس"... طبعا الكتيبة مش تدوين فقط.. و ربما جا الوقت أنو الكثير من المدونين يقبلوا بديهيات من نوع مثلا أنهم ما يخلطوش بين الكتيبة و التدوين كأحد أشكال الكتيبة.. و خاصة ما يخلطوش بين التدوين و "تن-بلوغس"... كما أنو مش بالضرورة ما وقع تسميتو بالتدوين التفاعلي هو سلبي بالضرورة و لكن الأشكال إلي ياخذها بما فيها تطييح القدر هي ربما المشكل... هذا مع احترامي لمشروع حسين إلي بمعزل عن ظروفو و أسبابو و الآفاق متاعو وفر منبر خلق "حركة تدوينية" غير مؤسسة و عفوية مثلت إضافة (ساعات من غير ما تقصد) للمشهد الافتراضي-الاعلامي التونسي... لكن هذا موضوع آخر أتوة يجي وقتو

إلي خلاني نكتب التدوينة هذية هو تدوينة متاع "ماهيفا" ("هل أنا إسلاموفوبي/ة") ريت أنو من الضروري أن ندلي فيها برأيي لأنها مع التعليقات إلي "بصمت" عليها تلخص أسلوب شايع لدى بعض المدونين و المعلقين ملي تحل موضوع الاسلاموفوبيا... أسلوب بصراحة فيها برشة مغالطة و سطحية بش ما نقولش كلمات أخرى.. نحب نقول قبل كل شي ملاحظة هنا ضرورية في خلط الحابل بالنابل إلي صاير: انشالله نقد التدوينة هذية ما يتحسبش ضد "حرية التعبير" لأني ماعادش متأكد أنو بعض المدونين يفرقو بين نقد رؤية معينة و الدعوة لصنصرتها.. و ولى من الشايع ترهيب أي شخص ينقد وجهة نظر بوضعو في قفص "عمار".. هذا يجي بالمناسبة في سياق انحطاط البلوقوسفير التونسي إلي هو جزء مش غريب على انحطاط الحياة الفكرية في البلاد.. كما أنو يذكرنا بسجال طغى عليه الرأي الواحد و الطابع "الامني" صار في بداية التسعينات.. و من الواضح أنو فمة حنين للفترة هذية بالنسبة لبعض الأطراف السياسية و كذلك بعض المدونين...

النص متاع "ماهيفا" يتساءل عن ماهية السلوك/الموقف الاسلاموفوبي... النص مع بعض التعليقات إلى تحتو اعتبروا أنو السلوكيات إلي يتم تقديمها على أنها أسلاموفوبية (و هي ضمنا حسب كاتبة النص السلوكيات/المواقف المذكورة في القائمة إلي حطتها في النص) تخلي الواحد يعتز أنو إسلامفوبي و يمضي بالعشرة صوابع... في بعض التعليقات إلي تحت النص يتيبين في النهاية أنو الاسلاموفوبيا ماهي إلا اختراع لملاحقة أي نقد للفكر الديني و كذلك لملاحقة الملحدين... كما أنو في الحوار إلي صار في التعليقات (حوار في رأيي من نوع "يغني و جناحو يرد عليه") تم الاشارة إلى أن التعليق إلي يمكن يصير من الناس إلي عاملين اللوغو متاع "لا للاسلاموفوبيا" (و بالتالي أنا معني بالفقرة هذية بما أني حاطط اللوغو المشبوه هذاية مع بعض المدونين لخرين.. المشبوهين بالتأكيد) هو استرجاع التعريف متاع المنظمة البريطانية "رنيميد ترست" إلي كنت أشرتلو في المقالات إلي كتبتهم في موضوع الاسلاموفوبيا... و أشارت "ماهيفا" في الأخيرة أنو كاينو المنظمة هذية عندها "حق احتكار" تعريف الاسلايموفوبيا...

يعني بشكل عام النص يرغب في المساهمة في موضوع الاسلاموفوبيا إنطلاقا من نقطة الصفر.. كاينو حتى حد ما حاول يوضح شنوة يقصد كيف يقول اسلاموفوبيا في النقاش إلي جرى في الفضاء التفاعلي التدويني هذا... و تساءلت الحقيقة زعمة وين كاتبة النص تعرضت لتوصيف أنها اسلاموفوبية على قاعدة القائمة إلي ذكرتها و إلي على رأسها مثلا "
أنا أحترم كلّ من يؤدّي طقوسه الدينية، أيـّا كانت ديانته" أو كذلك "إنّما أخشى كلّ من يجمع فئة منهم في سلّة واحدة و يطلق عليها حكما تعميميا"... طبعا هذا ما يعنيش أنو ما يجيش أنو الكاتبة ترفض أي تعريف تقدم سابقا.. من البديهي أنها تحاول تقديم تعريفها الخاص بناءا على ما تراه من حجج... لكن نفي وجود الاسلاموفوبيا كظاهرة من خلال اعتبارو اختراع أو تقديمو على أنها سلسلة اتهامات متاع إسلاميين متطرفين (و هي القايئمة متاع كاتبة النص) و في نفس الوقت رفض أي تعريف قائم على أساس أنو مش حق حد "احتكار التعريف".. هو موقف متناقض.. و خلي نقول داخل بعضو... يعني يولي واضح أنو الهدف مش مناقشة الاسلاموفوبيا أصلا و لكن رفض أي امكانية لوصف أي موقف لأي كان بأنو اسلاموفوبي....

رأيي إلي قلتو أكثر من مرة بوضوح و كان من الممكن لكاتبة النص أنها تتطلع عليه إذا كان فمة حقا رغبة في المساهمة في النقاش هذا هو مبني (و لو أنو غير مقتصر على تعريف "رنيميد ترست"... و على مرجعيات أخرى بما في ذلك المقررات الاممية لأنو هذا تعبير أصبح عندو تعريفو و معناه في نصوص دولية) يتلخص في أنو الاسلاموفوبيا هي خطاب كراهية كيف أي خطاب كراهية آخر سواء كان يميز و يستعدي و يعمم أحكامو على أساس العرق أو الدين... و بالمناسبة شتم و تسخيف و تفسيد ديانة ما بما هي تاريخ و منظومة فكرية (... إلخ) ما يستهدفش فقط تأويل محدد فيه هو الاسلاميين بل هو يستهدف بالضرورة كل منتمي للديانة هذيكة.. حتى المنتمي ليها بشكل شعبوي و مبسط و هي حال التدين متاع غالبية المسلمين.. و التحدث عن الاسلام بوصفه كله شاملا و بدون أي شك أنه "عقيدة فاسدة" (بش ما نقولش
مصطلحات أخرى أكثرها احتراما "عفن") يعني كل من يؤمن بأي شيء فيه حتى في حالة التدين البسيطة هو شخص فاسد بما هو يمارس التعبد بعقيدة فاسدة في كليتها... أي كل مسلم هو شخص فاسد بالضرورة... هذا هو الموقف الاسلاموفوبي إلي تم نقدو في الجدال إلي صار في البلوقوسفير و ليس القائمة التي وضعتها ماهيفا... و مش بالصدفة أنو ردود الافعال على بعض المواقف الاسلاموفوبية في البلوقوسفير ما تصدرش على اسلاميين فحسب بل غالبية ردود الافعال إلي نشوف فيها هي لناس أصلا ضد الاسلاميين.. توانسة من "الماينستريم" متاع التوانسة.. ردود فعلهم ماهياش ضد الالحاد ذاتو أو نقد الفكر الديني مادام ما انتقلش للضفة الاخرى متاع (مرة أخرى) خطاب كراهية كيف أي خطاب كراهية آخر سواء كان يميمز و يستعدي و يعمم أحكامو على أساس العرق أو الدين... و هذا طبعا مختلف عن الرؤية إلي مثلا تتناقض مع تيارات الاسلام السياسي.. خاصة أني لاحظت محاولة لتمييع مصطلح الاسلاموفوبيا على أساس أنو ما فماش اسلاموفوبيا و لكن فقط رفض لتيارات الاسلام السياسي... لكن طبعا فمة فرق بين الزوز مستويات


الأسئلة إلي تحتاج الاهتمام في النص أعلاه هي التالية: هل أنو تهمة الاسلاموفوبيا لا يقع توظيفها في سياق صنصرة مواقف نقدية لا تحمل مواقف الكراهية ضد الاسلام؟ هل يمكن استغلالها من قبل متطرفين لقمع الرأي المخالف؟ أشار البعض لتهمة "معاداة السامية" كمثال مشابه... بالطبع هذا يحصل مع تسجيل فارق قدرة طرف المعني بتوظيف تهمة "معاداة السامية" بقدرة و امكانات الطرف المعني بالتوظيف متاع تهمة الاسلاموفوبيا..

لكن هل هذا يعني أنو "معاداة السامية" (بمعزل عن عدم دقة المصطلح) غير موجودة؟ نفي المصطلح و الظاهرة لأنو فمة توظيف ليها هو سلوك متاع شخص تبريري و يقبل عمليا بالاسلاموفوبيا... إلي يلزم يحصل هو لثنين: يعني رفض الاسلاموفوبيا مع رفض توظيفها....

ما يحصل الآن من قبل بعض المدونين هو رفض أي محاولة نقدية لأي موقف إسلاموفوبي تحت عنوان أنو أي محاولة من النوع هذا هي بالضرورة "تهديد لحرية التعبير".. لكن الموقف هذا مغالط... يفتح الباب أمام تبرير الاسلاموفوبيا إلي هي واقع فعلي... ثم أنا إلي نعرفو شخصيا أنو إلي صاير فعلا هو أنو فمة مدونات ذات رؤى محددة لم يتم اضافتها لـ"تن-بولغس" بالرغم من طلبها الشي هذاكة... و من الملاحظ أنو بعض هذه المدونات تتميز بأنها تعبر على مواقف متاع اسلام سياسي أو قومي.. إلخ..

لكن في المقابل هل نقد الاسلاموفوبيا و رفضها يعني منع حق الاسلاموفوبيين في التعبير؟ هذاية هو الموضوع إلي ربما يستحق أكثر نقاش و إلي هو موضوع إشكالي.. و أنا ننصح بعض التوانسة إلي يتحدثو على الموضوع هذا الاطلاع بكل تواضع على تجربة ناس جربت قبلنا الصراع بين قيم حرية التعبير و خطاب الكراهية... و هي (نحبو لا نكرهو) نماذج لينا أحنا إلي مازلنا تلامذة في القلم هذا... فمة صراع بين الحقوقيين مثلا في امريكا حول الموضوع.. هل تجريم "فعل" الكراهية (و من ثمة منعها في الفضاء العام) يخص "الفعل المادي" فقط (أي مثلا ممارسة العنف على أساس الكراهية) أو يشمل أيضا "الخطاب" و "التعبير" على الكراهية؟ لكن بمعزل عن الاجابة عن الموضوع الاشكالي هذا إلي يلزمو يتطرح بشفافية و في إطار وضع يسمح بتعدد الآراء (غير المتوفر الآن) فإنو بالتأكيد في حتى مجتمع متحضر أو يحب يولي متحضر ما تنجم تقصي الرأي الرافض للاسلاموفوبيا.. أو تجريمو أو حتى اعتبارو "تهديد لحرية التعبير".. هذية بشكل عام الملاحظات إلي ريتها ضرورية في الاطار هذا

ملاحظة/تحيين 1: بما أنو في الجدال التفاعلي من بعيد هذاية تصير ردود و ردود على الردود.. و بما أنو الموضوع ما يستحقش تدوينة خاصة نحب نعلق على الجمل التالية إلي جات في تدوينة تكتبت في مدونة معنية بالرؤى الاسلاموفوبية بش ترد على التدوينة هذية و كيف العادة ما تنجمش تشير للتدوينة إلي ترد عليها.. من قبيل النزاهة لا غير

الجمل هي التالية: "
هل كره الإسلام كدين يعني بالضرورة كره المسلمين ؟".. ثم "كنت ضد الأديان جميعا ، و خاصة منها الإسلام باعتباره عقيدة فاسدة قضت على اتباعها و سببت تخلفهم و تطرفهم و عنصريتهم لليوم"... ثم "الدين الذي ترثه غصبا عنك و لا تخرج منه الا بالموت و لا يحق لك نقده و إلا دق عنقك دين عفن، و لا يعني أن اتباعه مثله بالعكس ، هم ضحاياه، ضحايا عفن التاريخ و شلل العقل ، و عهر اللغة"... باهي توة الجمل أعلاه هل السذاجة و/أو الخبث تكمن في اعتبار الحديث عن العلاقة البديهية بين فساد العقيدة مع فساد ممارسي العقيدة أم نفي العلاقة هذية؟ المشكل أنو كل جملة تكشف الجملة اللاحقة و تتناقض معاها.. المسلمين ضحايا متاع الفساد.. يعني فاسدين أما هومة ضحايا.. يعني ما يتحملوش مسؤولية فسادهم و جاب ربي ما ينفذوش في العقيدة الفاسدة بكلها... هومة يرضعو في صوابعهم و فاسدين بشكل سلبي و أكهو... توة هذاية ما يتسماش (بش الواحد يكون متربي) تبهنيس و استبلاه و الأهم منذ كل ذلك سطحية و استبهام؟ أنا نحب نعرف بشكل خاص تعليق الناس "المتحفظة" و "المختلفة" على كلام و مواقف المدونة هذية... و على تنقاضات و فوضى في المعاني و المفاهيم كيف إلي الفوق.. خاصة أنو ريت فمة مزايدة على الناس إلي انتقدت الاسلاموفوبيا من زاوية أنها ما تتعرضش للمحتوى و الافكار...


تحيين/ملاحظة 2: تفاعلا مع بعض التعليقات أضع هنا بعض الروابط لمقالات و تدوينات سابقة تتعرض لتعريف الاسلاموفوبيا
طبعا هناك تعريف شامل في المعنى و تعريف الظاهرة بما هي ظاهرة سياسية و ليست فكرية فحسب مع ذكر أمثلة محددة بما في ذلك من بين من أسميتهم "اسلاموفوبيي الخدمة" في سبعة حلقات من مقال حول الاسلاموفوبيا نشر في "العرب" القطرية يمكن الاطلاع عليها هنا بين 15 فيفري و 28 مارس
ثم هناك التدوينات التي نشرتها في البداية حول الموضوع مثلا: هنا و هنا

الأربعاء، جوان 03، 2009

عودة «اليسار الثوري».. «الماوية» نموذجاً (3-3)


الحلقة الثالثة و الاخيرة من المقال في "العرب" القطرية 31 ماي
الرابط


عودة «اليسار الثوري».. «الماوية» نموذجاً (3-3)

طارق الكحلاوي

شخصنة الأيديولوجيا، ومن ثمة تركز أيديولوجيا التنظيم الماوي في أيديولوجيا عبادة الشخصية، هي مجرد مظاهر لواقع أكثر مدعاة للانتباه وهو شخصنة الحزب وبالتالي التهيئة لشخصنة الدولة الجديدة وتمركز سلطاتها في أيدي شخص واحد، ومن ثمة ارتهان الجميع بحياة ذلك الشخص ومصيره البائد. فمثلما توقفت الماوية في الصين عند وفاة ماو توقفت الماوية في بيرو أو تزعزعت إلى حد كبير في أقل الأحوال عند اعتقال غوزمان. إذ إن صدمة موت الشخص أو وقوعه في الأسر تضرب في الصميم صدقية طروحاته الإطلاقية والخلاصية. طبعاً تاريخياً هذه صفات تنظيمات «يسارية ثورية» أخرى (ليس الماوية فحسب) بل أيضا صفات تنظيمات ودول غير يسارية أصلاً. لكنها تعتبر ركيزة أساسية في تركيبة أي مسيرة سياسية ماوية. الإيمان الضمني بقدرة شخص ما على استكشاف الطريق إلى المستقبل هي الضمانة الرئيسية لوحدة الحزب واستمرار الثورة. والاطمئنان لذلك الإيمان هو الأداة الشعبوية الأكثر جبروتاً لضمان طاعة الجمهور.
شخصنة الأيديولوجيا هي أيضاً ركن أساسي في تركيبة التنظيم الماوي الأكثر نجاحاً من الناحية السياسية في الوضع الراهن أي «الحزب الشيوعي الموحد لنيبال- الماوي». النيبال ذلك البلد الصغير الذي لا يكاد يظهر من الناحية الجيوسياسية وهو المحاط بالعملاقين الصيني والهندي وبرغم حتى تموقعه في أعلى نقاط العالم، أعالي جبال الهيمالايا. ولهذا حدث بأهمية وصول تنظيم «يساري ثوري» وماوي تحديداً إلى السلطة في نيبال سنة 2008 لم يبدُ خبراً رئيسياً في نشرات الأنباء. لكن مسيرة هذا الحزب ذات الخاصيات المثيرة للانتباه وظروف مجيئه إلى السلطة ربما تطرح أكثر تجربة تجديدية من بين الحركات الماوية الراهنة برغم تلبسها بخاصيات هذه الحركات، بما في ذلك عبادة الشخصية التي هي جزء رئيسي من هوية الحزب. وقد تأسس الحزب (تسميته الأصلية «الحزب الشيوعي لنيبال- الماوي») سنة 1994 كتجمع لتنظيمات ماوية صغيرة كانت ناشطة طيلة الثمانينيات. ولم تمر سنتان لكي يعلن بدء «حرب الشعب» على الملكية النيبالية المتعفنة والغارقة في الفساد والتي أغرقت معها بقية البلاد في فقر مدقع. ومنذ البداية برز شهابلال كمال داحال المعروف بلقب «براشندا» (Prachanda) كأبرز قياديي الحزب ليقع اعتماد موقع خاص له أكبر من أي موقع قيادي آخر، إذ بعد وصوله لمنصب «الأمين العام» للحزب تم إحداث منصب خاص به (زعيم الحزب) ليملك معه صلاحيات خاصة. خصوصية هذا الموقع جاءت بعد اعتماد الاستراتيجية التي اقترحها براشندا على أحد المؤتمرات الأساسية للحزب وبناء عليها تم تلخيص عقيدة التنظيم في شعار «الماركسية اللينينية الماوية- درب براشندا».
ليس هناك شك أن تجربة الحزب كانت منذ تشكلها الجنيني حتى إعلانها «حرب الشعب» متأثرة إلى درجة كبيرة بتجربة ورؤى بل وحتى تسمية «الحزب الشيوعي لبيرو» (الدرب المضيء). لكن الشخصنة الأيديولوجية في التجربة الماوية النيبالية ذات خصوصية نظرية يمكن أن تبدو تجديدية للوهلة الأولى. لم تكن «حرب الشعب» النيبالية بأي حال «حفلة عشاء» إذ مات ما يزيد عن 13 ألف شخص منذ بدئها سنة 1996 حتى توقيع «اتفاق السلام» بين الحكومة والماويين سنة 2006 غير أنه في السنوات الأخيرة أصبحت أشكال العمل السياسي التي تعتمد ضغط الشارع السلمي سمة رئيسية في استراتيجية الحزب. كانت كتابات «براشندا» -خاصة منذ أواسط التسعينيات- توجه نقدا ضمنيا متصاعدا إزاء التجربة البيروفية خاصة من حيث تركيز الأخيرة على السلاح وحده. لكن منذ سنة 2002 تم التعديل في «درب براشندا» التي جمعت بين العملين المسلح والسلمي في اتجاه التركيز على العمل السياسي السلمي بل أصبحت تطرح المفاوضات ذاتها والتنسيق مع أحزاب غير ماوية كخطة سياسية رئيسية. أصبح مصطلح «الجماهير» (masses) بديلاً عن مصطلحات مثل «الطبقات الثورية» والتي يمكن أن تشكك في إمكان القبول بأي عملية انتخابية يشارك فيها كل مواطني الدولة. توصل براشندا في تلك المرحلة إلى قناعة بأن المرحلة النهائية من «حرب الشعب» وبالتحديد الانتقال من «الاستراتيجية الدفاعية» إلى «الاستراتيجية الهجومية» يجب أن تعتمد على قاعدة جماهيرية واسعة تتحرك في المدن بشكل سلمي على قاعدة برنامج سياسي يفتح الباب أمام تحالفات واسعة. وهكذا على قاعدة برنامج إسقاط الملكية وتأسيس الجمهورية أمكن للماويين إثر سنة 2006 قيادة جبهة سياسية كبيرة ضمت حتى أحزاباً «يمينية» قامت بثورة في الشارع النيبالي وأدت إلى إسقاط الملكية وفرض انتخابات برلمانية سنة 2008 شارك فيها الماويون بكثافة ليصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع إثر حصولهم على أغلبية طفيفة في البرلمان. «الزعيم براشندا» لبس في نهاية الأمر رابطة العنق وبدأ التصرف كأي رئيس وزراء لجمهورية برلمانية.
غير أن التفاهمات المعقدة (والمتناقضة) للانتقال من موقع العمل المسلح إلى العمل السياسي شهدت أزمة في الأسابيع الأخيرة بعد رفض قيادة الجيش النيبالي إقحام 19 ألف مقاتل سابق في جيش الماويين (كانوا طيلة الفترة الماضية في معسكرات تابعة للأمم المتحدة) في الجيش الرسمي حسبما طلب براشندا.
استقالة براشندا في بداية شهر مايو الجاري وضعت المسار الديمقراطي النيبالي في منعرج حرج. ورجع الجدال الأساسي الذي أحاط بهذه التجربة الماوية الفريدة من نوعها، أي هل الدخول في لعبة الانتخابات كان خياراً أقل كلفة لتحقيق هدف «الديمقراطية الجديدة» وبالتالي «دكتاتورية الطبقات الثورية» ومن ثم الرجوع إلى العمل المسلح يبقى خيارا قائماً، أم هو إيمان جدي بأهمية دور العامل «الجماهيري» السلمي في تحقيق «الديمقراطية الجديدة» في كل الظروف وبمعزل عن أزمات المسار الديمقراطي؟
يحيلنا ذلك على بعض الأسئلة التي يمكن طرحها (بما يسمح به المجال) بعد هذه الحلقات حول الوضع الراهن لـ «اليسار الثوري» بما في ذلك الماوية: ألا يصبح تحقيق «المجتمع الديمقراطي الجديد» مجرد وهم إذا تم من خلال أداة أيديولوجية وجهاز مشخصن يؤمن أن التغيير الاجتماعي غير ممكن إلا عبر العمل المسلح ومن ثم إسقاط قدرة الاختيار السلمي بشكل حاسم والتهيئة لدكتاتورية (ثورية شعاراتياً) ولكن مجبولة على السقوط الحتمي لفقدانها القدرة التفاعلية مع مجتمعها ولتعاملها معه بوصاية سالبة للحرية الإنسانية؟
أليست الأداة الثورية المسلحة خاصة عبر أيديولوجيا مشخصنة (خلاصية ومقدسة) تحمل في طياتها بذور فشل «المجتمع الجديد» من حيث هو «مجتمع حر»؟
أليس أحد أركان الماوية الذي يركز على أهمية خصوصية كل تجربة ثورية ضمن سياقها الوطني/القومي والجيوسياسي (وهو الأمر الذي يحاول شخص مثل براشندا التركيز عليه) يعني في نهاية الأمر أن الوصفات الاستنساخية الأممية غير ممكنة أساساً؟ ثم هل يمكن التفكير حتى في الاستنساخ (تحت لافتة «الماركسية اللينينية الماوية- فكر فلان») في حين لا يزال هناك تردد وحتى رهاب إزاء نقد تجارب الحركات الشيوعية (خاصة بعد إمساكها السلطة) هذا إذا استثنينا التقييمات التبريرية والسطحية من نوع «التحريفية» و «الصدفة» و «خطأ توقيت الثورة»؟
أمام هذه الأسئلة الصعبة وغيرها التي تعترضه اليوم ومن دون مواجهتها سيبقى «اليسار الثوري» في مقام التكرار الاستنساخي الممل وغير الجذاب معرفياً وسياسياً وبالتالي غير القادر على صنع التاريخ. وذلك رغم كل الإمكانات الكامنة فيه خاصة في خلفيته الماركسية. فمما لا شك فيه أن الماركسية كأداة تحليل برهنت حتى لأكثر أعدائها شراسة أنها ما زالت قادرة على العيش مثلما يشهد بذلك الرجوع الصاغر إليها على مستوى الاقتصاد السياسي (انظر مثلاً العدد الأخير من نشرية «فورين بوليسي» الأميركية). كما أن هناك تجارب لـ «اليسار الثوري» أكثر مدعاة للاهتمام من حيث هي أقل إغراقاً في الدوغمائية وأكثر تواضعاً في بدائلها إذ لا تدعي الخلاص النهائي وكذلك من حيث تموقعها في سياقها الثقافي والقومي مثل تجربة «الثورة الزاباتية» في المكسيك.
أخيراً يبقى طبعاً الحديث عن «اليسار الثوري» العربي وهو الموجود اسمياً لا غير في الواقع الراهن والذي بالكاد وجد تاريخياً خاصة من حيث تموقعه في سياقه الجيوسياسي والقومي والثقافي. ولكن تلك قصة أخرى.

الكحلاوي: التغيير بالمنطقة مرتبط بتقلص النفوذ الأمريكي --حوار على موقع اسلام اونلاين


حوار أجراه معي الصحفي هادي يحمد على موقع اسلام اون لاين حول الزيارة المرتقبة لاوباما الى القاهرة و "الرسالة الى العالم الاسلامي" أي الخطاب الذي سيلقيه في جامعة القاهرة.. ملاحظة جانبية: العنوان غير دقيق... المقصود طبعا التغيير في السياسة الامريكية تجاه المنطقة و ليس التغيير بشكل عام

الرابط


حوار - هادي يحمد


اعتبر طارق الكحلاوي، الخبير الإستراتيجي وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة "روتجرز" الأمريكية، أن السياسة الأمريكية لن تشهد أي تغيير حقيقي تجاه العالم الإسلامي، لأن ذلك "غير ممكن لأسباب أهمها أن أي تحول حقيقي في السياسة الأمريكية سيحتاج إلى تغير في الموازين الإستراتيجية في المنطقة"، مضيفا أن هذا التحول "من الممكن أن يحدث فقط عندما يتقلص النفوذ الأمريكي في المنطقة بتأثير عوامل سياسية واقتصادية وحتى حينها لن يحدث بشكل استعراضي وواضح".

وشدد الكحلاوي، في حوار خاص مع شبكة إسلام أون لاين نت، على أن "أصول أوباما الإسلامية العائلية تشكل جزءا صغيرا من تصوره لذاته ودوره الشخصي إذ أن حياته اللاحقة لطفولته خاصة تجارب عمله الحركية والتنظيمية في جامعة هارفارد وشيكاغو هي التي شكلت شخصيته الراهنة وصنعت أوباما الذي نعرفه اليوم".

واعتبر أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة "روتجرز"، أن هناك دلائل كبيرة على أن خطاب الرئيس الأمريكي أوباما للعالم الإسلامي، والذي سيلقيه من القاهرة، سيحمل في طياته رسالة مفادها أن الإسلام "يمكنه أن يتصالح مع الحداثة". وقال الكحلاوي: "الرسالة ستكون بمثابة قطيعة خطابية مع منهج سلفه جورج بوش في تعامله مع العالم الإسلامي".

وفيما يلي نص الحوار

* من المعلوم أن الإدارة الأمريكية الجديدة قررت توجيه رسالة إلى العالم الإسلامي يلقيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ما هي توقعاتكم لفحوى هذه الرسالة على ضوء تركيبة الإدارة الأمريكية من جهة والوعود الانتخابية التي قطعها الرئيس قبيل وصوله إلى البيت الأبيض؟

تسرب ما يكفي من المعطيات الآن لتوقع الخطوط العامة لما سيكون عليه فحوى الخطاب/الرسالة الذي سيلقيه أوباما، وحسب العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، فإن الجملة التي سيعيد أوباما التركيز عليها، والتي بدأ باستعمالها بشكل مسترسل منذ اعتلائه سدة الرئاسة في 21 يناير، هي "الاحترام المتبادل مع العالم الإسلامي". وهي الجملة التي تم النظر إليها في البداية على أنها مغازلة للموقف الإيراني بسبب تركيز الخطاب الإيراني الرسمي عليها عند تعرضه للعلاقات المطلوبة مع الإدارة الأمريكية. لكن يبدو أن هناك في الإدارة من يشعر أن هذه الجملة تجلب اهتمام المستمعين المسلمين بشكل عام (وليس طهران فحسب) ومن ثم يمكن التركيز عليها بشكل خاص.

وهناك جمل أخرى سيركز عليها أوباما، مثلما جاء في خطابه السابق في أنقرة، من قبيل أن "الولايات المتحدة ليست ولن تكون في حرب مع الإسلام"، وهي جملة مركزية في الخطاب السياسي لأوباما بشكل عام خاصة في ظل حرصه على عدم استعمال شعارات تعميمية مثل "الحرب على الإرهاب" أو "الفاشية الإسلامية"، وهي مصطلحات تم ترديدها بكثرة من قبل الإدارة السابقة أو الأوساط المحيطة بها.

وبالإضافة إلى هذه القطيعة الخطابية، التي سجلها أوباما منذ اعتلاء الرئاسة، سيضيف أوباما محاور أخرى ربما تبدو أكثر "عمقا"، فقد أسر أوباما لأصدقائه المقربين، طبقا لمجلة "نيوزويك" الأمريكية، بأن الهدف من الرسالة هو تبليغ إيمانه بضرورة وإمكانية "تصالح الإسلام مع الحداثة". ويمكن أن يركز في هذا السياق على إنجازات "العصر الذهبي" للإسلام خاصة في ميادين الرياضيات والعلوم وحتى الدبلوماسية. حيث سيشير إلى دور المسلمين في "إنقاذ المدونة الإغريقية والرومانية من النسيان" وبالتالي "إنقاذ الإرث الغربي ذاته".

في المقابل سيعيد التركيز على أثر قصة سيرته الشخصية، التي بدأ التركيز عليها بمجرد تسلمه مقاليد الرئاسة، وترابطها مع أصوله العائلية الإسلامية عبر والده المباشر الكيني أو والده بالتبني الإندونيسي.

وفي سياق فهم معمق للتاريخ الإسلامي، خاصة إسهامه في بناء الحداثة في إطارها الغربي وتاريخه الشخصي، يرى أوباما عن قناعة أو لأسباب خطابية وسياسية، أنه يتموضع في الموقع الأمثل للعب دور "تجسير الهوة" بين "الغرب والإسلام". وحسب بعض التقارير الأخرى سيكون الخطاب "إيجابيا" بمعنى أنه سيتجنب التركيز مثلا على تقسيم المنطقة إلى "معتدلين" و"متطرفين"، ولا يعني أنه لن يشير إليه، مثلما كان يفعل سلفه بشكل أكثر استرسالا و تكرارا.

وكان خطاب أوباما الخاص بالعلاقة مع الإسلام والمسلمين شديد الحساسية قبل وصوله للرئاسة. فليس سرا أن أوباما كان شديد الحذر لـ"عدم ملامسة" المسلمين خلال الحملة الانتخابية، برغم ميل المسلمين بشكل واضح لأوباما آنذاك، إذ كان من الواضح للجميع، بما في ذلك أوباما والمسلمين، أن الشكوك التي راجت حول أصل ديانته كانت دائما في خلفية الحملة الانتخابية ضد هيلاري ثم ضد ماكين برغم رفض الأخيرين الإشارة المباشرة إليها. وبالتالي كان الجميع يعلم أن موضوع أصول عائلته الإسلامية (عبر والده الكيني المباشر أو والده الإندونيسي بالتبني) يمكن أن يساهم في مزيد من حشد القطاعات الاجتماعية التي تعتبر "الإسلام خطرا"، ومن ثمة كان هناك ميل لأسباب سياسية للقبول بتجاهل أوباما للتعاطف الإسلامي معه.

طبعا كان لأوباما منذ مسيرته السياسية في شيكاغو علاقات قوية بالجاليات العربية والإسلامية هناك، ليس لأنها كانت حتى وقت قريب شديدة البروز في الأوساط السياسية بل لأن أوباما كان يميل لصناعة علاقات مع أمريكيين من أصول أخرى خاصة الإفريقية والآسيوية. كما أن النسبة الكبيرة من الأفارقة الأمريكيين المسلمين المقيمين في شيكاغو حتمت عليه أن يرتبط بعلاقات قوية بها لأسباب انتخابية بالإضافة إلى العوامل الأخرى. هذا إلى جانب التجربة الغامضة التي خاضها في صغره مع أوساط عائلية مسلمة، والتي لم تكن دائما وردية حسب مذكراته لكنه لم يكن يدخر جهدا للإشارة إليها باعتبارها "تجربة ثرية في التنوع" جعلته دائما محل تساؤل طوال طفولته وشبابه حول "هويته".

وأعتقد بشكل عام أنه يشعر فعلا أنه متميز من حيث تشكل شخصيته الذاتية والثقافية خاصة في علاقته بالإسلام ليس فقط عن الرؤساء الأمريكيين السابقين، بل أيضا عن المؤسسات في واشنطن، وبهذا المعنى حتى إذا لم يحاول مستشاروه التركيز على "قدرة أوباما على تجسير الهوة"، فإنه شخصيا سيشعر بضرورة التأكيد عليها. وهنا لن يكون هناك جدوى في تقييم هذه الرؤية الخطابية بطريقة "إما أبيض وإما أسود" أي ما إذا كانت تستجيب لدواعى سياسية أو لإيمان حقيقي من قبله بأنه يمتلك خصائص استثنائية على مستوى التاريخ الرسمي الأمريكي. إذ على الأرجح أن هذين العاملين والشعورين حاضران لديه بقوة وبشكل متشابك. وهذا ما يمكن أن يؤكد التوقعات العامة بأن خطابه سيكون "إيجابيا"، أي أنه سيستخدم كلاما ليس لشخص قادم من بعيد، وسيلقي بعض المجاملات العامة بل كلاما لشخص يعتبر أن له ما يكفي من التشكل الذاتي والثقافي بأن يتوجه بنوع من "الحميمية" نحو الإسلام ثقافةً وأشخاصاً.

* لماذا برأيكم وقع اختيار مصر بالذات لتوجيه هذه الرسالة وخاصة أن أولى التوقعات كانت تتجه إلى تركيا لتكون محط هذه الرسالة؟

في الحقيقة حتى نكون واقعيين، فإن أوباما بدأ بالتوجه إلى المستمع والمتفرج المسلم بشكل مبكر منذ اعتلاءه مهام منصبه في يناير الماضي، وذلك عبر حوار تليفزيوني ركز فيه لأول مرة على أصوله العائلية الإسلامية وهو ما كان مادة لتعليق الإعلام الأمريكي (سلبا وإيجابا) لبعض الوقت آنذاك، ثم قام بزيارة تركيا التي كانت حلقة من حلقات حملة العلاقات العامة هذه والتي يقوم بها شخصيا وليس من قبل موظف بيروقراطي في وزارة الخارجية مثلما حصل في السنوات الماضية. ومن ثم فإن أسبقية المحطة التركية بوصفها أول زيارة له لبلد ذي أغلبية مسلمة بل وتقوده حكومة ذات ميول إسلامية مسألة لا يمكن تجاهلها، وخطابه في البرلمان التركي في أنقرة يمكن أن نطلق عليه أيضا "رسالة إلى العالم الإسلامي".

"الرسالة" إذا هي مجموعة من الرسالات بدأت منذ لحظة تسلمه مقاليد السلطة وتواصلت عبر خطب، وعبر إشارات رمزية أيضا. تركيا مثلا بوصفها أول محطات رسالة في ذاتها تؤكد ما تسرب حول اعتقاده بضرورة "مصالحة الإسلام مع الحداثة". إذ تمثل نموذجا لنوع من التوافق الذي استغرق تشكله أكثر من قرن بشكل يجعل أحزاب ذات خلفية إسلامية على رأس بلد يعلن على الأقل رسميا أنه علماني.

والمحطة المصرية هي بكل تأكيد حلقة أساسية في سلسلة الرسائل هذه؛ فإذا كانت تركيا محطة مناسبة للتوجه للمسلمين بشكل عام، خاصة من الناحية الرمزية بوصفها آخر مواقع "الخلافة الإسلامية"، تم اختيار مصر بوصفها محطة لمخاطبة قسم رئيسي في هذا "العالم الإسلامي" أي قسمه العربي بما في ذلك غالبيته السنية؛ إذ تبرز مصر في هذا المنظور الأمريكي في مركز حلقة إقليمية وإستراتيجية ذات بعد عربي-سني دون التغافل عن خلفيتها الجامعة أيضا بوصفها المقر السابق لأهم الإمبراطوريات الشيعية أي الدولة الفاطمية. مصر بخلفيتها التاريخية والإستراتيجية الراهنة تبدو محطة طبيعية غير متعارضة بل متكاملة مع المحطة التركية في حملة العلاقات العامة لإدارة أوباما تجاه "العالم الإسلامي".

* هل يعني اختيار مصر لتوجيه هذه الرسالة إعادة اعتبار للدور المصري في المنطقة العربية والإسلامية وخاصة تجاه الدور المتعاظم لإيران في العالم الإسلامي؟

علينا أن نفترض هنا أن الدور المصري، ضمن المنظور الأمريكي بوصفه مركز تحشيد مقابل الدور الإيراني في المنطقة، تم تهميشه مع الإدارة السابقة. لكن في الحقيقة كانت الإستراتيجية الأمريكية خاصة منذ تقلد كونداليزا رايس منصب وزارة الخارجية وستيفين هادلي موقع مستشار الأمن القومي، وصعود ما سمي آنذاك بـ"التيار المحافظ الواقعي الجديد" (على حد تعبير تشارلز كرواثمر)، على خلفية المأزق العسكري والسياسي الأمريكي في العراق، تم إطلاق "صراع المعتدلين ضد المتطرفين" في سياق محاصرة الدور الإيراني المتعاظم في المنطقة والذي بدا واضحا في الخطاب الأمريكي منذ سنة 2004، أنه المستفيد الرئيسي من احتلال العراق.

وعلى العكس يمكن النظر للإشارات الرمزية لأوباما باعتبارها تهميشا أو بشكل أدق تقليصا للدور المصري عما سبق من خلال اختيار المحطة التركية كأول زيارة لأوباما لبلد ذي أغلبية مسلمة، وكذلك من خلال تقليصه الكبير مقارنة بسلفه للخطاب الاستقطابي في المنطقة بين "المعتدلين و المتطرفين" على خلفية عملية جس النبض القائمة على قدم وساق الآن بين واشنطن وطهران. وهنا لا يجب تغييب الدور التركي عن هذه المعادلة خاصة من حيث ترتيب الإدارة الأمريكية لسلم هذه الأدوار.

والدور المصري ربما يجب النظر إليه، وفق نظرة مثالية أمريكية، على أنه دور عربي مساند لدور تركي (الحليف في الناتو) أكثر فاعلية في إحداث توازن مع الدور الإيراني في المنطقة ككل. ولهذا لن يكون من المستغرب إذا دفعت إدارة أوباما أكثر نحو تقارب تركي مصري وأيضا سعودي في المنطقة. والتذكير بهذا الدور السعودي تم بشكل متأخر عبر ترتيب زيارة إلى الرياض قبل القاهرة لكنه مثير للانتباه في جميع الأحوال.

من جهة أخرى تدل معظم المؤشرات أن أوباما لن يقوم بفتح أي ملفات تتعلق بالداخل المصري وبموضوع الإصلاح السياسي العربي بشكل عام مثلما قام سلفه ووزيرة الخارجية رايس قبل سنوات. وهذا يزيح عبئا سياسيا أمريكيا (خطابيا تحريضيا) عن الدور المصري.

* يرى كثير من المراقبين أننا بإزاء تحول حقيقي للسياسة الأمريكية في علاقتها بالعالم الإسلامي، وأن جذور أوباما، وكذا دراسته في مدرسة مسلمة في إندونيسيا لعبت دور في هذا التوجه الجديد.. ما رأيكم؟

طبعا ذلك غير ممكن لأسباب أهمها أن أي "تحول حقيقي" في السياسة الأمريكية سيحتاج إلى تغير في الموازين الإستراتيجية في المنطقة. ويمكن لهذا التحول أن يحدث فقط عندما يتقلص النفوذ الأمريكي في المنطقة بتأثير عوامل سياسية واقتصادية وحتى حينها لن يحدث بشكل استعراضي وواضح. كما أن أصول أوباما الإسلامية العائلية تشكل جزءا صغيرا من تصوره لذاته ودوره الشخصي إذ أن حياته اللاحقة لطفولته خاصة تجارب عمله الحركية والتنظيمية في جامعة هارفارد وشيكاغو هي التي شكلت شخصيته الراهنة وصنعت أوباما الذي نعرفه اليوم.

يبقى أنه يرى فعلا في تنوع أصوله الثقافية معناً إيجابياً وإضافة تميزه، وهذا يمكن أن يعطيه نوعا من الثقة في اقتحام بعض المحرمات المسكوت عنها مثل الإشارة إلى "معاناة المسلمين" كجزء من تعقد الوضع الراهن، ومن ثم الاندفاع نحو قوى أساسية في المنطقة ربما لم تعمل الإدارة الأمريكية سابقا على الاقتراب منها بشكل علني وسلمي.

ودعني أتوقف هنا عند موضوع متعلق بسؤالكم برغم عموميته، وهو موضوع سيكون محل جدال أمريكي لفترة طويلة قادمة، وهو مدى تأثير الصفات الشخصية لأوباما على مسيرته السياسية وعلى مسيرة الوضع السياسي العام في الولايات المتحدة. وهنا لا أعتقد أنه من الممكن أن نميل إلى رؤى حدية تنفي جملة وتفصيلا دور هذه الصفات الشخصية بدعوى "المؤسسية" أو في المقابل تعتقد أن تميزه الشخصي يجعله قادرا على صبغ مؤسسة سياسية عريقة ومعقدة مثلما هي المؤسسة الجمهورية الأمريكية. أعتقد أن أوباما سيذيب نفسه في هذه المؤسسة لكن العناصر المميزة لشخصيته ستضيف إليها وتغيرها بشكل من الأشكال. وعموما لن يكون الوضع السياسي الأمريكي ودور البيت الأبيض والمؤسسة الفيدرالية، هو نفس الدور الذي شهدته عقب انتخاب روزفلت وكينيدي.

* هل هناك تخوفات وتوجسات لدى دوائر صنع القرار والتفكير المرتبطة باللوبي اليهودي من هذا التوجه الجديد لأوباما؟

مما لا شك فيه أن أي كلام إيجابي عن المسلمين والعالم الإسلامي من قبل رئيس أمريكي خاصة عندما يكون بهذه الكثافة الرمزية وهذا التركيز، يشكل مصدر عدم ارتياح لـ"لوبي إسرائيلي" يغلب عليه الطابع "الليكودي". إذ من حيث المفردات والخطاب هناك هوة بين خطاب أوباما والخطاب السائد لهذا اللوبي الذي شجع بعض أقطابه في السنوات السابقة على استعمال مصطلحات من نوع "الفاشية الإسلامية". كما أن المسرح العام لحملة العلاقات العامة هذه يطرح ثنائية "غربية – إسلامية" وبشكل خاص يمنح المنطقة العربية الإسلامية صفة ثقافية خاصة، بشكل يظهر إسرائيل غريبة من الناحية الجيوسياسية.

ولا يجب الاستغراب في هذا السياق من أن العديد من التعليقات التي تعرضت لزيارة القاهرة وخطاب أوباما المرتقب ركزت بشكل خاص على تصاعد الخلاف بين أوباما وحكومة نتنياهو خاصة فيما يتعلق بموضوع المستوطنات. كما أن هناك معطى آخر هام في هذه المعادلة أشرت إليه في مقال أخير في صحيفة العرب القطرية تحت عنوان (الإدارة واللوبي.. حلقة في سلسلة طويلة، 3 مايو)، وهي المؤشرات الدالة على رغبة أوباما في تشجيع "لوبي إسرائيلي" مختلف في واشنطن عن منظمة "إيباك" وهو ما يبدو واضحا في التناسق بين خطابه وخطاب مجموعة جديدة مثل "جي – ستريت" تقدم نفسها بديلا عن "إيباك".

ورغم ذلك فإن أوباما الذي تمرس بما فيه الكفاية على المشي في الرمال المتحركة لواشنطن سيعمل على عدم إثارة شكوك "إيباك" أو غيرها من خلال تكثيف العبارات المطمئنة المعتادة حول "الشراكة الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية". ولو أن الخلاف هذه المرة خاصة أمام إصرار نتنياهو على رفض حتى التنازلات الكلامية والشكلية أمام الإدارة الحالية، سيجعل من الصعب استمرار حكومة الأخير في السلطة. وليس من المستبعد وفقا لبعض التعليقات الأمريكية هذا الأسبوع أن تركيز أوباما على محور المستوطنات خلال الأسابيع الأخيرة كان في سياق بناء مناخ إيجابي لدى المتلقي المسلم قبل خطاب القاهرة