الاثنين، أفريل 06، 2009

تونس و انتخابات الجزائر

مقالي الأخير (هنا) تعليقا على الانتخابات الرئاسية الجزائرية و مغزاها بالنسبة للتطورات (أو "التعطلات") القادمة في المنطقة المغاربية.. فيما يلي نص المقال في الأصل لأنه وقع إعادة توضيب عند النشر اختفت فيها النقاط و بقيت الفواصل

و هذه صورته







انتخابات الجزائر و اتجاه المنطقة المغاربية

طارق الكحلاوي

تقام في يوم 9 أفريل الجاري الانتخابات الرئاسية الجزائرية. و بقطع النظر عن النتائج (المتوقعة على كل حال) و المعاني السياسية لهذه الانتخابات ننظر كتونسيين عادة مثل بقية مواطني دول المغرب إلى الوضع في الشقيقة الجزائر بانتباه خاص. فقد كانت لدينا دائما علاقة معقدة مع الشقيق الأكبر (كما و حجما) القابع في اتجاه الغرب. مزيج من الاحترام و الحب و لكن أيضا الخشية و أحيانا التبرم بمعزل عن التنوع السياسي و الفكري في الساحة التونسية. مشاعر الاحترام و الحب تجد تعبيراتها في تاريخ التخوم المشتركة، و ليس الحدود المشتركة، التي تفصل بين القطرين. إذ من النادر أن يتمثل تاريخ العشائر "التونسية-الجزائرية" المقيمة تاريخيا على مدى الحدود السياسية الحديثة علاقة انفصال. في قرى و مدن ولايتي الكاف و جندوبة التونسيتين نجد مقدمات الطبيعة و البشر ذاتها التي تميز مدون و قرى ولايات سوق أهراس و الطرف و عنابة الجزائرية. و ذات الانطباع في ولايات الجنوب المتاخمة. حتى الحدود السياسية بمعناها المحدد، و ليس الضبابي المميز لعهد دول المخزن، و التي تشكلت عبر اتفاقيات متسلسلة خاصة عهد الإيالات العثمانية بحلول القرن السابع عشر كانت دائما محل إعادة مراجعة. مشاعر الحب و الاحترام المتبادل كانا بالقوة و العنفوان الذي يتجاوز ماهو سياسي. نظام بورقية ما بعد الكولونيالي و بالرغم من قيامه على أنقاض صراع مع التيار العروبي "اليوسفي" بالتحديد حول سؤال "هل تستقل تونس من دون استقلال الجزائر؟" و بالرغم من علاقاته الصعبة و المتوترة مع بعض قادة الثورة الجزائرية اختار استراتيجيا دعم "الثورة الجزائرية" بكل الوسائل بما في ذلك تهريب السلاح و حماية المقاومين المحتمين بالقدوم إلى تونس. هذا الخيار المبدئي الذي عهد الزعيم التونسي الراحل بتفاصيل تنفيذه إلى القيادي النقابي التاريخي أحمد التليلي، أصيل منطقة قفصة المحاذية للجزائر، كان من بين الأسباب الأساسية (بالاضافة الى الذرائعية البورقيبية) في العلاقة شديدة التوتر بين بورقيبة و شارل ديغول إلى الحد الذي دخلت فيه العلاقة بين تونس و فرنسا سنوات من المشادات و حتى سيل الدماء (غارة "ساقية سيدي يوسف"، و حتى أجواء "معركة بنزرت" ذاتها).

في المقابل خيمت في بعض الأحيان أجواء من الخشية و التبرم بين الطرفين خاصة منذ ترسيم حدود مقننة في المرحلة العثمانية و تشكل جهازين سياسيين سيكونان أساس الدولتين القطريتين اللتين ستقومان على أنقاض الاحتلال الفرنسي. إذ لم يكن أي داي أو باي يخسر صراع السلطة في "تونس المحروسة" إلا و يطلب الدعم من دايات الجزائر الأقوياء عسكرا و مالا. و هكذا كان الكثير من التاريخ السياسي لهذين الجهازين السياسيين المتمركزين بين تونس و الجزائر هو تاريخ تدخل الطرف الجزائري لتعديل كفة الصراع السياسي في تونس. لكن كلما قدم جيش الدايات الجزائريين إلا و جلب معه عبر المنطقة الشمالية الغربية حتى أطراف مدينة تونس الكثير من الفوضى. مشاعر الريبة و التبرم تبرز أيضا في مراحل الأزمات السياسية مثلما حدث في ثمانينات القرن الماضي عندما بدأت هذه المشاعر لدى الجزائر الرسمية زمن صعود التيار الاسلامي التونسي و انتقلت الى تونس الرسمية عند صعود التيار الاسلامي الجزائري.

و عموما فإن الجزائر هي "مصر المغرب". و هي قطر محوري بين دول المغرب إلى الحد الذي مهما كانت فيه المشاعر السياسية مفارقة فإن الوضع في الجزائر يمكن أن يحسم الميزات العامة للوضع في منطقة المغرب ككل. و بمعزل عن كل الخلافات التي تميز علاقة النظام الجزائري ببقية الأنظمة المغاربية تبدو الاتجاهات التي تميز الجزائر هي الاتجاهات العامة للمنطقة و لو ربما في أشكالها الأكثر حدة. و هكذا كان للانفتاح السياسي الذي ميز الجزائر في نهاية ثمانينات القرن الماضي و للتجربة الديمقراطية غير المسبوقة خلاله أثرا عاما في الدفع بأجواء متقاربة و ليس بالضرورة مماثلة في المنطقة المغاربية. مثلما كان لمرحلة الصراع العنيف بين السلطة الجزائرية و التيارات المنفلتة من عقال "جبهة الانقاذ الاسلامي" الجزائرية إثر إنهاء التجربة الديمقراطية أثرا حاسما في الدخول في مرحلة حسم أمني شامل بين بقية الأنظمة المغاربية و تياراتها الاسلامية أو بعض أهم تياراتها الاسلامية في أقل الأحوال.

الانتخابات الجزائرية الرئاسية القادمة ضمن هذا السياق لا تحمل تجديدا لكنها تحمل على الأرجح ملامح تراجع آخر في توجه الجزائر نحو نظام سياسي تعددي بما يعني مزيد تعميق أزمة النظام التعددي في المنطقة ككل. و هنا لا يمكن الحديث عن تركيبة الوضع الجزائري بأي صيغ تعميمية. فهو وضع معقد بكل تأكيد. إذ لا نجد الصيغ غير الادماجية و ذات اللون الواحد. فبعد كل شيئ توجد تعددية حزبية حقيقية في الجزائر بوجود أحزاب فاعلة و معبرة عن قطاعات واسعة في الشارع و ممثلة لخلفيات فكرية و سياسية متعارضة أحيانا بما في ذلك في المشهد البرلماني منها "الوطنية الاسلامية" و "الاسلامية" و "الوطنية القومية العربية" و "الوطنية القبايلية" و "القبايلية الانفصالية" و "الوطنية اليسارية" و "اليسارية الفرنكفولية" (Francophiles). هذا في اطار استمرار إقصاء رموز الطرف الاسلامي الرئيسي المرهق من سنوات الحرب الأهلية و غياب منطقة القبايل عن التمثيل السياسي في السلطة. و عموما تبدو أحد إشكاليات الوضع في الجزائر محدودية معالجة ملف "المصالحة الوطنية" من زاوية سياسية بما يؤثر على التوجه العام للوضع في اتجاه يستبعد تدريجيا المشاركة السياسية. إذ أن توافقا وطنيا حقيقيا يستوعب أسباب الأزمة يذوب تدريجيا خلف شعار "التوافق الوطني".

و في هذا السياق يفصل الكتابين و الأكاديميين الجزائريين أحمد أغروت و يحيى زبير، في مقال (بتاريخ 1 أفريل) حول الانتخابات الراهنة في النشرية الأميركية (Middle East Report)، الملامح العامة التي تشير إلى أننا بصدد تركز السلطة شكليا و عمليا إلى حد ما في مؤسسة الرئاسة و بالتحديد في شخص الرئيس بوتفليقة بشكل يجعلها بنفس تركيبة الكثير من الأنظمة المجاورة في شمال افريقيا. فلسفة التعديل الدستوري الأخير و الذي يستعيض عن مبدأ التداول على الرئاسة بمبدأ علوية "الرغبة الشعبية" بما في ذلك "الرغبة" في التجديد غير المحدود عمليا للرئيس بوتفليقة، و الطريقة المرتجلة التي تم بها حدث دستوري بهذه الأهمية تشير إلى سلبية عامة تجاه هذه الانتخابات. التعديل الذي تم فيما يبدو و في بداية الأمر على الضد من رغبة بعض القيادات العسكرية المؤثرة (مثلما فهم من رفض رئيس الوزراء الأسبق أويحيى "المقرب منها" للتعديل) أدى إلى بروز "التحالف الرئاسي" الحزبي ("الوطني الاسلامي") بوصفه القوة الوحيدة الدافعة نحو التعديل. و حسب أغروت و زبير فإن التوافق اللاحق مع المؤسسة العسكرية هو الذي "أعطى الضوء الأخضر" لتحقق التعديل وفقا مفاهمات غير معروفة ربما تضع "خطوطا حمراء" أمام صلاحيات الرئيس. و هكذا وفقا لهذا الطرح فإننا بصدد الدفع أكثر نحو إعادة إنتاج تركيبة ما قبل الانفتاح السياسي لأواخر الثمانينات حيث وجود المؤسسة العسكرية المتواري يحدد بشكل مستمر هوية مؤسسة الرئاسة و طبيعة أدائها ضمن سياقات غير مؤسساتية و غامضة. و من ثمة نحن إزاء مفارقة التضاد بين واقع التعدد الحزبي الحقيقي مقابل تعطل إمكانية التداول على السلطة بسبب الرجوع إلى التركيبة التي ترعرع فيها الرئيس بوتفليقة أي ما قبل سنة 1988. و لو أن الأخير لا يملك وسائل و كاريزما الرئيس الراحل بومدين مثلما يسعى دائما لأسباب شخصية و تاريخية بل يقترب من خصائص الرئيس بن جديد الأقل تميزا و فرادة. لكن الأهم أن هذا الاتجاه الجزائري يعني أن ملامح منطقة المغرب لا تتجه في ملف التركيبة السياسية للأنظمة القائمة نحو مرحلة أكثر إدماجية و تعددا. فاتباع الجزائر للتركيبة السياسية لجيرانها يعني أنه لن تكون في المستقبل القريب نموذجا للتجديد السياسي في المنطقة. كما أنه لن يحل الأسباب العميقة لأزمتي السياسة و العنف في الجزائر و من ثمة إحلال توافق وطني جدي فيها. و مثل هذا الأفق يجب أن يستدعي مشاعر الخشية و التبرم من قبل بقية مواطني دول المغرب.





2 التعليقات:

Ammar يقول...

Tarek, can you please write about Tunisian politics ?
Keep doing the good work. Ammar.

Tarek طارق يقول...

عمار... هذا يتسمى جزئيا (و جوهرا) على تونس... المقال الجاي انشالله أيضا