الخميس، ديسمبر 20، 2007

ملاحقة سماح إدريس قضائيا بسبب آرائه... في الدفاع عن مثقف وطني تقدمي

يتعرض رئيس تحرير مجلة الآداب البيروتية الصديق سماح إدريس إلى ملاحقة قضائية بسبب رأي أبداه في أحد أعداد مجلة الآداب... ففي افتتاحية عدد ماي/جوان 2007 بعنوان "نقد الوعي النقدي: كردستان-العراق نموذجا" (هنا) كتب إدريس تحليلا لفئة من المثقفين الذين عرفوا بعض الازدهار إثر إحتلال العراق و هي فئة من "التقدميين" ذوي الأصول اليسارية الذين يتميزون راهنا بالاستهلاك الشعاراتي المفرط لعناوين مثل "الديمقراطية التقدمية" و "الثقافة الحقوقية" و "الحرية ضد الظلامية و الانغلاق" في نفس الوقت الذي يمكن لهم فيه أن يعلنو بكل الجدية الممكنة بأن ما يجري في العراق إثر أفريل 2003 على وجه الخصوص هو "مسار دمقرطة و حرية"... و من بين أبرز هؤلاء السيد فخري كريم السكرتير الأسبق و العضو القيادي في "الحزب الشيوعي العراقي" (أو بالأحرى ما تبقى منه) و صاحب المؤسسة الإعلامية "دار المدى"... لكن ما العلاقة بين افتتاحية سماح و "تقدمية" فخري كريم؟

كانت مناسبة الافتتاحية التعليق على "مهرجان المدى" الذي ضم في مدينة أربيل في ربيع 2007 مئات "المثقفين" العرب بدعوة من "حكومة إقليم كردستان" بل "السيد الرئيس (رئيس العراق!)" جلال الطالباني شخصيا و صديقه الحميم السيد فخري كريم مالك "مؤسسة المدى"... كانت تعليقات بعض "المثقفين" الدعائية الفجة و الأشبه بالفضيحة الفكرية (منها مثلا قول أحد "الشعراء" بدون أي تردد أو حياء "إنني سعيد الآن لأنني في مؤتمر حر على أرض حرة") كانت مثل هذه التعليقات ما استفزت على ما يبدو إدريس (بل إستفزت حتى كتابا لا يبتعدون كثيرا عن فخري كريم هنا)... أكثر ما هال إدريس "كسل" المدعوين إلى أربيل... إذ إمتنعوا حتى عن رؤية البديهيات... من بين هذه البديهيات التي تبطل الاعتقاد بالتحديد أننا إزاء "مؤتمر حر" و كذلك "ارض حرة" إلى جانب مجموعة من المعطيات ليس أقلها الحريات الكثيرة المهدورة في كردستان العراق حسب تقارير أممية، التاريخ السياسي لمنظم المؤتمر السيد فخري كريم: أشار إدريس إلى "إختناق" الانترنت بمعطيات لا تنتهي حول ما يحوم بالرجل من شكوك قوية و في كل الاتجاهات... لم يشر إدريس إلى مصادره ليس لعدم وجودها بل على الأرجح لكثرتها و صعوبة حشرها في قسم الهوامش... سأختار هنا بعضها و لن أحيل هنا على مواقع أو مصادر تكن العداء الفصيح للسيد كريم أو "الحزب الشيوعي العراقي" (الذي كان من أعتى الأحزاب الشيوعية العربية خاصة أيام "الرفيق فهد" أشهر الشيوعيين العرب على الإطلاق)... أشير مثلا الى مذكرات "أبو جلال" و هو شيوعي عراقي نشرها في السنوات الأخيرة و نشر موقع "رزقار" (الذي أصبح يسمى "أحوار" و ينشر بالمناسبة مقالات فخري كريم) تلخيصا مطولا لها يحتوي على معطيات تتضمن دور السيد كريم كـ"رئيس الجهاز الأمني" للحزب (!!) فيها تفاصيل تقشعر لها الأبدان عندما أفكر أننا إزاء حزب لم يدرك السلطة فما بالك إذا أدركها (هنا)... الرابط الثاني على نفس الموقع و أيضا من داخل الحزب يتحدث عن "سرقات مالية" قام بها السيد كريم عند إشرافه على الشؤون المالية للحزب هنا

من البديهي أن من حق فخري كريم أن يرد... و مثلما أشار بيار أبي صعب قبل البارحة فإن ذلك أمر طبيعي و متوقع تماما (هنا)... لكن أن يلجأ للمحاكم للرد على اتهامات وردت أصلا في موقع مقرب من "الحزب الشيوعي العراقي" فإن ذلك يبعث على الاستغراب... و في نهاية الامر و مثلما قال أبي صعب هذه "مبادرة تريد أن تمنع السجال حول قضايا ملحّة ومصيريّة لا تحتمل أيّة مساومة"... فتهديد سماح إدريس هو تهديد لمؤسسة عريقة و مستقلة تعاني الأمرين في الحفاظ على حد أدنى من الدعم المالي مثل "مؤسسة الآداب"... لم يبق سماح إدريس صامتا إزاء كل ذلك... كانت إفتتاحية العدد الأخير للآداب الذي صدر منذ أسبوعين موجهة بالتحديد الى صلب الموضوع: مال (فلوس) الثقافة (هنا)... و من ثمة خلفياتها السياسية... إذ سيكون موقفا مفهوما تماما لو أن قضايا السيد كريم في المحاكم شملت مصادر المقالات التي يتهمها بـ"ثلبه" (مثل رزقار) و لم تتعلق إلا بسماح إدريس و دار الآداب... ما يجري هو صراع بين صنفين من "المثقف التقدمي": أول يؤمن بقوة الحجة (الفكرية لا القضائية) و لكن أيضا بأن لا تقدمية على الضد من المصالح الوطنية و القومية و ثاني... دعنا نقول أنه يؤمن تحديدا بعكس ذلك...

الوقوف مع سماح إدريس هو وقوف مع نموذج المثقف الأول... و ليس ضد النموذج الثاني فحسب.. و لكن أهم الأسئلة يبقى: في قضية "كريم ضد إدريس" سنكون بإزاء محاكمة أي منهما؟

أختم ببعض المقتطفات من الإفتتاحية الأخيرة لسماح إدريس: "أَعرف أنّهم سيقولون إنّ أحدًا لا يَفْرض عليهم شيئًا، لا الأمير الفلاني ولا النظام العلاّني ولا المؤسسة الفلانية ولا الصناديق العلاّنية. ولكنْ هل يستطيعون أن يَشْرحوا لنا أمرًا واحدًا فقط: كيف تخلَّوْا بهذه السرعة القياسية عن مصطلحات "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" و"الكفاح المسلّح" و"الصراع الطبقي" و"كنْس الاستعمار" و"الوحدة العربية" و"الاشتراكية"... لصالح مصطلحاتٍ أخرى من قبيل "تمكين المرأة" و"الديموقراطية" و"نبذ التطرُّف" و"وقف الختان" و"حوار الحضارات" و"التعايش" و"الحثّ على الاعتدال"؟ أنا، طبعًا، لا أعارض شعاراتهم الجديدة بالمطلق، ولكنْ هل زال الاحتلالُ والاستعمارُ والظلمُ الطبقي مثلاً؟ بل هل يُمْكن تحقيقُ شعاراتهم الجديدة، ولاسيّما الديموقراطيةُ وحوارُ الحضارات وتمكينُ المرأة، مع بقاء الاحتلالِ والهيمنةِ الغربية واستشراسِ المحافظين الجدد؟ وهل انقلابُهم السريعُ على مبادئهم القديمة معزولٌ تمامًا عن تمويلهم الجديد؟ "

ملاحظة أخيرة ليست خارج الموضوع: تواصل "الآداب" رسالتها الثقافية في عددها الجديد و الذي يحتوي الجزء الثالث من ملف العلمانية... أشدد هنا على مساهمة الكاتب السوري و الذي شارك في إعداد الملف ياسين الحاج صالح هنا

1 التعليقات:

النسر الأسود يقول...

شكرا يا طارق على هذه الإضاءة.

بالفعل، سماح ادريس من أكثر المثقّفين العرب الذين أحترمهم شخصيا. مثقّف عضوي لا يكتفي بالتنظير، بل ينزل للميدان ويناضل بين الناس ومعهم. شخص متسّق مع مبادئه، لا يهادن أحدًا. فهو رغم إعتزازه بخطّه العروبي العلماني لا يتردّد في نقد العروبيين والعلمانيين المتطرّفين أو الإنتهازيين. وهو على ذلك قومي عربي حداثي، لا يتردّد في الدفاع عن الأقلّيات المضظهدة في الوطن العربي ويتبنّى قضايا معاصرة كالبيئة... كلّ ذلك بأسلوب عقلاني جذّاب، يقطع مع التيّارات القومية الرومانسية أو الشوفينية...

مجلّة الآداب كانت ومازالت منارة مشعّة في ظلمة التخلّف والإنحطاط العربي. ويجب علي كلّ الديمقراطيين والتقدّميين العرب وغيرهم الدفاع عنها.

اذا كان هنالك عريضة أو تحرّك أو أيّ شيء يمكن فعله لمساندة سماح ادريس اعلمني بذلك من فضلك...