الخميس، مارس 26، 2009

في الإسلاموفوبيا... المقال السادس

بشيء من التأخير بعد ما تلهيت برشة أول الاسبوع... المقال السادس

رابط.. و صورة



و نص المقال



في الاسلاموفوبيا (6)

طارق الكحلاوي

مثلما اشار "ابن الوراق" في مقدمته لكتاب "أصول القرآن" يرجع اهتمامه بالموضوع لسلسلة من البحوث بدءا من سبعينات القرن الماضي و التي حاولت إحياء الاهتمام به بالتحديد من زاوية "الاستشراق الكولونيالي" أي "الأصول اليهودية و المسيحية" للقرآن و الاسلام برغم اختلافها الكبير معه. فالوجهة التي ستأخذها البحوث الجديدة منذ السبعينات ستتجه منحى راديكاليا حتى مقارنة بأطروحات "الاستشراق الكولونيالي". ففي الوقت الذي أسس فيه نولدكه (Nöldeke) لفهم للقرآن يضعه من حيث تأريخه في سياق زمن حياة الرسول، و هو ما يتوافق مع الفهم الكلاسيكي الاسلامي لتاريخ القرآن، ستتجه البحوث الجديدة نحو فرضيات مختلفة تماما تسبق أو تلحق وفاة الرسول. البداية كانت مع باحث ألماني سيبقى لفترة طويلة منسيا و على هامش الوسط الاكاديمي. غونتر لولينغ (Günter Lüling) الذي سيدشن سلسلة من البحوث التي ستركز على أطروحة تاريخية بديلة تختلف راديكاليا عن سرديات المصادر الاسلامية بما في ذلك حول "أصول القرآن" في مؤلف صدر سنة 1974. يرى لولينغ أن نص القرآن كما نعرفه يحتوي على اربعة "طبقات" أولها "القرآن الأول" و الذي تم تحريره حسب رأيه من قبل فرقة مسيحية تعيش في مكة. اللغة الصعبة للولينغ و التعقيد البالغ لحججه لكن الأهم منذ ذلك اعتماده الحصري على تحليل لغوي فيلولوجي يرفض فيه بشكل مطلق رواية المصادر الاسلامية كلها عوامل ساهمت في تهميش الأفكار الواردة في كتاب لولينغ خاصة إثر اتهامه للوسط الأكاديمي الألماني بالتآمر عليه.

في نفس اطار الطروحات الراديكالية البديلة يتنزل كتاب "الدراسات القرآنية: مصادر و مناهج تأويل النص المقدس" سنة 1977 للمؤرخ الأميركي جون وانسبرا (John Wansbrough) الذي سيكون أكثر تأثيرا من لولينغ بفعل موقعه كأستاذ في "مدرسة لندن للدراسات الشرقية" أين سيشرف على تخريج عدد من الأساتذة معروفين في الاختصاص. وانسبرا سيرفض أطروحة لولينغ عن "اصل مسيحي" سابق عن حياة الرسول في مكة و يتجه إلى اعتبار زمن النص متأخرا يرجعه إلى القرن الثامن أو حتى التاسع ميلاديين (الثاني أو الثالث للهجرة) و المكان ليس مكة أصلا بل العراق. و على هذا الأساس يعيد واسنبرا تركيب تاريخ الاسلام المبكر ليتفق مرة أخرى مع خلاصات "الاستشراق الكولنيالي" و لو بصفة أكثر راديكالية بأن الاسلام ليس إلا مجموعة من العرب الذين انشقو عن المسيحية أو اليهودية و لم يتكون لديهم شعور بهوية خاصة و منفصلة مثلما نعرفها اليوم إلا بشكل متأخر. حجر الزاوية في سلسلة الافتراضات (التي وصلت الى مستويات سوريالية مثلما اتفق حتى غالبية المستشرقين) هي مماثلته النص القرآني بطريقة تجميع نصوص الحديث في مدونات متأخرة في القرنين الثامن و التاسع. و ضمن هذا السياق المنهجي سيقوم طالبي وانسبرا الذين سيذيع صيتهما فيما بعد باتريشيا كرونه و مايكل كوك في كتابهما الأول الشهير و الذي سبقى مؤشرا على اتجاه بحوثهما في البداية (Hagarism: The Making of the Islamic World) الصادر أيضا سنة 1977 بالأساس بمحاولة دعم فرضيات وانسبرا بالاعتماد على مصادر معاصرة لنشأة الاسلام (اي القرن السابع) بغير العربية و خاصة المصادر المسيحية بالسريانية و الأرمينية. حيث يتم التأكيد على أن المسلمين الأوائل لم يكونوا سوى فرقة يهودية منشقة ليس في مكة و لكن في شمال الجزيرة العربية أو في سوريا و لم يتكون إحساسهم بالخصوصية إلا في وقت متأخر في القرن الثامن.

جلب هذا المنهج القائم على وضع الفرضيات و من ثمة البحث عن "الوقائع" الكثير من النقد من قبل معظم المستشرقين. إذ قام وانسبرا (و كرونه و كوك) بجرة قلم بحذف كل محتويات المصادر الاسلامية المكتوبة حول تاريخ القرآن بذريعة أنها متأخرة بحوالي القرن عن نشأة الاسلام (بداية القرن الثامن ميلادي) ليشكل قطيعة مع كل مدونة الدراسات التاريخية الحديثة حول الاسلام بما في ذلك الاستشراقية. و في المقابل تم إضفاء المصداقية المطلقة على معطيات المصادر المسيحية لمجرد أنها معاصرة. و هو ما أضفى إلى خلاصات متسرعة حتى في تفاصيل بسيطة. فتاريخ سنة 634 الذي تشير إليه إحداها (في وقت متأخر من القرن السابع) و الذي يذكر غزوة نحو الأراضي البيزنطية بقيادة النبي الجديد تصبح كافية لاعتماد تاريخ جديد لوفاة الرسول. كما أن تصوير هذه المصادر للمسلمين على أنهم مجرد فرقة "متهرطقة" عن المسيحية أو اليهودية يتم أخذها بشكل جدي على أنها تصف واقعا حقيقيا و ليس تمثلا مسيحيا يرغب في تقديم صورته السجالية الخاصة لمجموعة بشرية تنافس بشكل مطرد الامبراطورية البيزنطية الراعية للمسيحية في الشرق في القرن السابع. و هكذا نحن بصدد مقاربة للمصادر غير متوازنة تذكرنا بالمقاربات القروسطية: إذ مقابل التكذيب المطلق للمصادر الاسلامية و إعدام أي مساهمة ممكنة لها في التأريخ للاسلام المبكر يتم القبول الكلي للمصادر المسيحية ليس فقط لتفاصيلها التاريخية بل لطريقة تمثلها للمسلمين الأوائل بدون أي اعتبار للطبيعة الايدوبولجية المتوقعة في هذه التمثلات. و عموما ليس من المستغرب أن تحاول كرونه في وقت لاحق خاصة في السنوات الأخيرة تجنب تكرار أطروحاتها الأولى. خاصة أن المكتشفات الأثرية المتراكمة منذ تصاعدها فس السبعينات حول الفترة الأموية (قصور و ترميم مدن و جوامع و غيرها من المعالم الدينية و نقود...) تشير بالرغم من غياب المصادر المكتوبة المعاصرة إلى صورة عامة من التمثل الذاتي الاسلامي المتميز بل و المنافس بشكل واعي للطرف المسيحي المحلي أو البيزنطي. البرديات المعثور عليها في مصر و المؤشرة على النظام الضريبي في ولاية مصر الاسلامية منذ الفترة الأموية، و مثلما حاجج فريد دونير، تشير إلى وجود دولة مبكرة منذ القرن السابع و ليس مجرد فرقة من الهائمين "المهرطقين".

و عموما ستصل هذه البحوث إلى مأزق في العمق الأكاديمي مع وقوعها في "السجالية" (polemicist) و حتى "الهواية" (amateurism)، حسب تعبيرات كرونة ذاتها في مقال أخير، و ذلك بحلول بداية القرن الجديد مع نشر كتاب "القراءة السريانية الآرامية للقرآن: مساهمة في تفكيك لغة القرآن" (سنة 2000) لكاتب ألماني يحمل اسما مستعارا، كريستوف لوكزنبرغ (Christoph Luxenberg) و الذي يشير إلى نص "اصلي" للقرآن بالسريانية. و لعل من أهم الردود الأكاديمة على هذا المؤلف، الذي جلب الكثير من الاهتمام الاعلامي، الندوة التي تم تنظيمها في "جامعة نوتردام" الأميركية سنة 2005 و التي حاول فيه الكثير من المختصين نقد مسار "الدراسات القرآنية" التي تنطلق من أطروحة "الأصول المسيحية اليهودية" للقرآن كأطروحة مركزية (تم نشر أعمال الندوة سنة 2008). و على سبيل المثال نقرأ في الملاحظات التمهيدية لورقات الندوة نقدا لأطروحة لوكزنبرغ لمنهجها "الهيرمونيطقي الساذج" الذي يتعامل مع النص وحده بوصفه حامل سر "القرآن" بمعزل عن ظرفيته التاريخية و تفاعل النص مع "القارئ". التركيز الاعلامي على فرضية لوكزنبرغ الفيلولوجية في تفسيره لكلمة "الحور" ضمن سياق سرياني يعني "العنب" تم النظر إليه على أنه عودة للسجالات التسطيحية "المعادية للاسلام" في القرون الوسطي. و تساهم في ترويج الاعتقاد بعلاقة مفاهيم مثل "الحور" بظاهرة "الاستشهاديين" بشكل ينزع هذه الظاهرة عن سياقها السياسي و الثقافي المعاصر. كما تم نقد السياق الحقيقي لهذه المقاربات اي الواقع الراهن حيث لا يمكن التأثير في "قراءة القرآن" بالفيلولوجيا و الهرمونوطيقا بل بفهم للعلاقات الواقعية المعقدة بين النص و الواقع. فـ"الاسلاموفوبيا الأكاديمية" ليست المقاربة الأكاديمية تحديدا بل سياقها السياسي و تداعياتها الواقعية حتى إن إدعت انفصالها عنها. و ليس نموذج "ابن الوراق" الانتقائي و التجميعي إلا نموذجها الاكثر سذاجة. و هو ما يحيلنا مرة أخرى على بقية النماذج الأكثر سطحية من "إسلاموفوبيي الخدمة" الذين تفضح أطر تشبيكهم السياسية، في إطار "قمة الاسلام العلماني"، المعنى الحقيقي من شعار "نقد الاسلام" في أطروحاتهم.





2 التعليقات:

islam_ayeh يقول...

klemek 3ala luxenberg m'a rappelé une discussion que j'ai eu avec un bloggeur tunisien ici

Je me demande tjs comment des gens "de bonne foi" peuvent croire à de telles conneries ??!!!!

Tarek طارق يقول...

أهلا إسلام آية.. توة وين قريت التعليق... إي تبعت الجزء متاع النقاش هذاكة وقتها في مدونة تيمرير

الحقيقة النقاش حول لوكزنربغ في السياق الاكاديمي كشف بوضوح طابع "الهواية" عندو.. حتى من قبل ناس يشتركو معاه في الرؤية المنهجية العامة