تعرف الصحفي التونسي على الولايات المتحدة
من المفترض أن يأخذ العمل الصحفي طابعا فرديا و يتحدد بمبادرة الصحفي. سواء كان محتوى العمل الصحفي تقريرا إخباريا أم تحليلا فإنه يجب أن يحمل رؤية أو مجهودا ذاتيا. ينطبق ذلك على إختيار الموضوع و طريقة تناوله. أشعر أن هذه البديهيات في حاجة لإعادة التأكيد عندما أقرأ التقارير الصحفية التي تنشرها بعض الصحف التونسية حول الولايات المتحدة. ففي ظل رواج خطاب شعبوي تعميمي في غالبية الصحف يشيطن الولايات المتحدة يوجد في المقابل مجهود لا يقل تعميمية و تواضعا من الناحية المهنية يتمثل في الإنخراط في رحلات رسمية لصحفيين "شرق أوسطيين" للولايات المتحدة. حيث أنه أمام الصعوبات التي يواجهها المسؤولون الرسميون هنا إزاء الصورة المتدهورة ليس للإدارة الحالية فحسب بل أيضا للولايات المتحدة ذاتها تم إعادة تنشيط برامج لـ"تدريب صحفيين شرق أوسطيين" في الولايات المتحدة و هو ما يضمن في أقل الأحوال صدور تقارير ذات بعد واحد لا تعبر عن روح التقرير الصحفي الجاد و المؤثر. طبعا يتم ذلك عوض إعادة تقييم السياسة الواقعية و التي تمثل خلفية التصادة و غياب الثقة الراهن و التي على أساسها يقوم المتطرفون من القاعدة بتحويلها الى خطاب كره عام يجد له صدى حتى لدى آذان لا تؤمن بمشروعهم المجتمعي.
أليس من العملي بالنسبة لجميع الأطراف أن يتم الاستعاضة عن رحلات الترفيه و الدعاية هذه و دعوة الصحف "الشرق أسطية" بتشجيع إنتداب مراسلين يقيمون في الولايات المتحدة من أصول عربية (مثلا من بين الذين يقومون بالدراسة في كليات إعلام أمريكية و يطمحون بالتالي في البروز) يقومون بتقارير أكثر مهنية و لا تختص فحسب بالجانب السياسي يتم تشجيعها غبر صيغ غير حكومية؟
فيما يلي مثال على التقارير الصحفية السمجة و التي تأتي في إطار "برامج التدريب":
السبت 5 ماي 2007«الصباح»
في ولاية أريزونا الأمريكية:صحراء على مشارف المكسيك تلفت نظر السياحتقديــرات بوجـــود 12 مليون مهاجـــــر ســري في أمريكا جلهم يتسربون من الحدود المكسيكيةمراكز لرعاية الأطفال الجانحين والمتشردين والوقاية من الجريمة
من مبعوثتنا الخاصة:سعيدة بوهلال
أريزونا ـ الصباححينما أقلعت بنا الطائرة من مطار سيراكيوس بنيويورك في اتجاه أريزونا لم نكن نتوقع أن تكون هذه الولاية الصحراوية على تلك الصورة.. وقبل انطلاق الرحلة قلت للدليل المرافق لنا «تمنيت زيارة نيويورك ومشاهدة ناطحات السحاب.. وتمنيت أيضا الذهاب إلى هوليود والتقاء المشاهير.. لكن لسوء الحظ فقد تضمن البرنامج، الذي أشارك فيه رفقة عدد من الصحفيين من تونس والجزائر والمغرب ومريطانيا، زيارة إلى الصحراء.. قلت له إنني أعرف الكثير عن الصحراء ومناخها خاصة حينما ترتفع درجات الحرارة»..لكن الدليل وهو من أصل سينيغالي ويدعى عبدو لطيف طمأنني بأن الصحاري لا تشبه بعضها البعض.. وقال لي «ستذهبين وستستمتعين وستندهشين خاصة وقد نظمنا لكم زيارة إلى وادي قرون كانيون»..أجبته مازحة: «صحراء.. ووادي.. فهل من مزيد»؟فقال ضاحكا «ستذهبون إلى منطقة كوين كريك وستشاهدون وجها آخر للولايات المتحدة الامريكية ولن أشوقك أكثر».. وفي ولاية أريزونا الواقعة جنوب غرب الولايات المتحدة الامريكية على الحدود مع دولة المكسيك كان مقامنا في العاصمة فينيكس.. والخضرة التي كانت عليها هذه المدينة والورود التي تغطي ساحاتها وشوارعها وحدائق منازلها والظلال التي تجدها حيثما حللت تجعلك تشك للحظة أنك في قلب الصحراء ولكن غابات النخيل والاعشاب الصحراوية التي ألفتها عيوننا أكدت لنا أننا بالفعل في صحراء..ويذكر أن اسم ولاية أريزونا يعود إلى الكلمة الهندية اريزوناك وهي تعنى الربيع الغض بلهجة قبائل الهنود الحمر.وتشتهر أريزونا بكونها مستقرا للهنود الحمر ويوجد فيها أمريكيون عرب ومسلمون ومن أشهر المساجد هناك المركز الاسلامي بفينكس ويحد ها شرقا ولاية نيو مكسيكو وغربآ ولاية كاليفورنيا وشمالا ولايتى يوتا ونيفادا بينما يحدها جنوبآ المكسيك وتتكون من عدة مقاطعات وتبلغ مساحتها الكلية 294,315كم وتحتوى على نهر كولورادو الذي يشق وادي قرون كانيون وهو من أهم معالم الولاية.وعن تاريخها يقال إن القس الاسبانى ماركوس دو نيزا هو أول أوروبى اكتشفها وقد دخلها بحثآ عن المدن المليئة بالذهب الواردة فى الاساطير.. وفى عام 1775 أسس الاسبان حصن تكسان واصبحت جل أراضى أريزونا ملك للحكومة الامريكية عام 1848 وذلك بعد حرب المكسيك وانضمت بقية أراضى أريزونا إلى الولايات المتحدة بواسطة اتفاقية عام 1853.وحسب إحصائية عام2004 يبلغ عدد سكان أريزونا أكثر من خمسة مليون نسمه وتبلغ نسبة البيض 55,5% والامريكيين الافارقة3,1% والاسيويين1,8% والهنود الحمر 5% ونجد 11,6% من أجناس أخرى و25,3% من أصول لاتينيه.مدينة فينيكسفي مدينة فينيكس عاصمة الولاية التقينا عدد من المسؤولين الامريكيين الذين حدثونا عن مدينتهم التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون ونصف ويتوسطها مطار عملاق يؤمن نحو 130 ألف سفرة في العام نظرا لان المنطقة أضحت في وقت قصير وجهة رجال الاعمال والطلبة من مختلف أصقاع الدنيا فهي تحتوي على المصانع والمؤسسات الصغرى والمتوسطة المنشأة عن طريق آلية شبيهة بما هو الحال في تونس وتحتوي أيضا على الكثير من المؤسسات الجامعية التي يؤمها ما يزيد عن 280 ألف طالب.. وتعتبر ولاية أريزونا ولاية جامعية فهي تحتوي على «جامعة أريزونا الحكومية» وقد تأسست عام 1885 وبها أكثر من خمسين ألف طالب وتقع في مدينة تمب وهي من اكبر الجامعات في الولايات المتحدة من حيث عدد الطلبة وهناك جامعة أريزونا بمدينة توسون قرب الحدود المكسيكية، ومركز دراسات الشرق الاوسط. وجامعة ابولو فى مدينة فينيكس التي نمت وتطورت بسرعة أذهلت الامريكيين أنفسهم لانها كانت بعد الحرب العالمية الثانية مدينة صغيرة جدا..الوجه الاخرلكن إلى جانب مشاهد الرياض الغناء الوارفة وإلى جانب مرأى المنازل الفاخرة والمركبات التجارية الضخمة والفنادق والحانات والمراقص الصاخبة يعترض سبيل زائر فينيكس مشردون وفقراء.. ففي هذه المدينة تم احصاء بين 7 و10 آلاف دون مأوى وتقول سيدة تدير مركز الرعاية الفئات المحتاجة والاطفال المهددين والجانحين: أنا لاحظت خلال السنوات العشر الاخيرة ارتفاعا كبيرا في عدد المشردين الذين يقيمون في الشوارع وأن هناك قرابة السبعمائة طفل ينامون ليلا في الشارع جلهم من المكسيك..وفي زيارة أجرتها «الصباح» إلى مركز لرعاية الاطفال المشردين التقينا عددا من المشرفين على هذا المركز الذين أفادونا بأنهم يتقبلون الاطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات وجلهم لا يتقنون اللغة الانقليزية لذلك يقع التركيز خلال السنوات الاولى على تعليمهم هذه اللغة لتيسير اندماجهم.. كما يتقبل المركز عائلات الاطفال ويتحدث معهم عن مشاكلهم ومشاغلهم ويسعى إلى إيجاد مواطن شغل للاباء لكي يتمكنوا من إعالة أبنائهم..وحسب ما لاحظناه خلال إقامتنا بفينيكس أن مشكلة الهجرة السرية من المكسيك إلى أريزونا تتفاقم يوما بعد آخر وتنجم عنها الكثير من المشاكل.وحول معضلة الهجرة السرية حدثنا مسؤولون بمدينة كوين كريك بأريزونا وقالوا إنه لا توجد إحصائيات دقيقة في هذا الشأن لكن التقديرات تشير إلى وجود نحو 12 مليون مهاجر سري في كامل تراب الولايات المتحدة الامريكية وبينوا أن المهاجرين لا يمثلون جميعهم خطرا على أمن البلاد والناس بل هناك فئة منهم ينفذون إلى البلاد عن طريق المكسيك أو كندا للعمل ولتوفير المال لاعالة أسرهم لكن هناك آخرون ينضمون إلى عصابات خطيرة ويمثلون مصدر إزعاج.. وقالوا إن المهاجر السري لا يعتبر مواطنا أمريكيا ولكنه إذا أنجب طفلا هناك فإن ابنه يعتبر أمريكيا..وعن كيفية الوقاية من ظاهرة الهجرة السرية أفادنا «شريف» وهي تسمية للشرطة البلدية أنهم لا يقومون باقتحام المطاعم والمقاهي بحثا عن المهاجرين السريين وإخراجهم من البلاد لكن هناك قوانين تنظم عمليات التشغيل وفي صورة ما إذا يعمد صاحب مطعم أو حانة تشغيل مهاجر غير شرعي فإنه يتكبد خطية مالية كبيرة..وتجدر الاشارة إلى أنه خلال جولاتنا بشوارع المدينة تعرضنا بين الحين والاخر عدد من المهاجرين السريين وهم قابعون قرب محطة نقل عمومي حيث يعرف الجميع أنهم ينتظرون من سيأتي ليطلب منهم خدمة بمقابل ويكون ذلك خاصة في قطاع البناء والطلاء.أما لقائي بالهنود الحمر فإنه لم يخل من الطرائف.. إذ بمجرد مسكي آلة التصوير لكي ألتقط صورا للتحف الجميلة المعروضة بأحد المتاجر حتى قفزت صاحبة المحل مسرعة نحوي وهي تصرخ بصوت يصم الاذان وهي تردد كلمات لم أتبينها وحينما شعرت بانزعاجي وعرفت أنني لم أقصد الاساءة هدأت من روعها واستقبلتني بحفاوة ونبهتني أن التصوير ممنوع لانها تخشى من تقليد بضاعتها.. وبعد ذلك كانت لنا لقاءات أخرى مع الهنود الحمر الذين يقطنون في مقاطعة قريبة من حدود المكسيك وهناك يمارسون الكثير من المهن التقليدية ويجلبون إليهم بتحفهم ومنسوجاتهم العجيبة الكثير من السياح..وخلال زيارتنا إلى قرون كانيون هذا النهر العظيم أمكننا مقابلة بعضهم في أحد المركبات التجارية وتناول وجبة هندية مختلفة عن المألوف واقتناء بعض الهدايا التذكارية منهم لكنهم كانوا قليلي الكلام سريعي الحركة يرفضون رفضا قاطعا التقاط الصور لهم أو لمعروضاتهم
0 التعليقات:
إرسال تعليق